الشغب في المدرجات العربية.. هل أصبح ظاهرة؟ هل هناك خوف من ألتراس كرة القدم؟ من المسئول عن توتر العلاقة بين جماهير الكرة المصرية والجزائرية؟ ولماذا تم احتواء الشغب التونسي؟ هل تكون الرياضة في عالمنا العربي ورقة لحرق العلاقة بين الشعوب؟ عدة إجابات حملتها معي إلي حلقة رأي عام علي قناة الدوري والكأس القطرية بعد أن حدد باسم الرواس رئيس تحرير البرنامج ومساعده عامر حرب، عناوين الحلقة في البداية أري أن الشغب في مدرجات ملاعبنا العربية، ليس بظاهرة.. حيث إنه لم يصبح ثقافة في القاموس الرياضي العربي، ثم هو ليس مبرمجًا، وغير موسمي، الشغب العربي مختلف عن شغب أوروبا.. الأول يستخدم فيه المتعصبون الزجاجات الفارغة والشتائم بينما في الملاعب الأوروبية قتلي وجرحي.. وضحايا الشغب في عالمنا العربي قسمان.. مجموعة منه هي المحترفة في عالم الشغب.. وهي قلة هدفها واضح وتستعد لتنفيذ مخططها.. أما الشريحة المتهمة بالشغب، وهي الأكبر، وتضم شريحة شبابية معظمهم طلاب بالجامعات والمدارس، وهي تلقائية في التشجيع وانفعالاتها تلقائية وهي قد تتورط في هذا الأمر لكنها علي أي حال ليست بمشاغبة، وشغبها مؤقت وهي ما يهمني.. حيث يدور حولها النقاش والبحث عن أسباب كيفية المحافظة علي تلك الشريحة وإعادة تصويب سريع لممارسات مضرة قد تقدم عليها. في البداية يجب أن نوضح للمشاغبين وغيرهم أن هناك ما يسمي حق الفرجة والفرحة والتشجيع بالملعب الرياضي.. أيضًا واجب المحافظة علي المنشآت والتجهيزات الرياضية.. وهناك انقسام حول الشغب، علماء الاجتماع ارجعوه لمشاكل اجتماعية وفوارق طبقية.. وأوضحوا أن أبناء الطبقة الفقيرة هم الذين يرتكبون تلك الحماقات بل أوضحوا أن الملعب أصبح مسرحًا لتفجير الغضب.. أنا شخصيًا ضد هذا الرأي تمامًا، لأن الشغب في أوروبا، ومعظمها دول غنية، إذن ليس شرطًا أن يقود الشغب الفقراء، كلنا نتذكر الأزمة الدبلوماسية بين انجلترا وبلچيكا عام 1995 لاستخدام الأخيرة العنف غير المبرر ضد جماهير انجلترا بعد مباراة للمنتخبين في بطولة أوروبا. أيضًا نتذكر قرار مركز محكمة مانشستر بتجريم لعب كرة القدم بسبب الشغب عام 1908، وأحداث ملعب جلاسكو 1920 بين منتخب انجلترا واسكتلندا مات 40 شخصًا وأصيب 500 آخرون.. وأيضًا بين بيرو والأرجنتين في تصفيات الأولمبياد بدورة «طوكيو» عام 1964 وهي أكثر الكوارث حيث توفي 630 شخصًا وأصيب عدد كبير إصابات مختلفة بعد أن ألغي الحكم هدفا لمنتخب بيرو بحجة التسلل.. في تونس قتل 18 شخصًا في باجة 1999 أثناء مباراة للترجي مع الأولمبي وعام 2006 شهدت الملاعب التونسية العديد من مظاهر العنف. في العراق عاد العنف بالملاعب يطل فيما بعد سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.. في المغرب أيضًا بعض المناوشات وفي مصر ما حدث بين الجماهير الجزائرية ومنتخب الجزائر وبعض المتطرفين من مصر لتعرض أتوبيس الأهلي للقذف بالحجارة وهو نفس المشهد الذي حدث لمنتخب الجزائر بالقاهرة، وما ترتب عليه من تداعيات وآثار سلبية امتدت إلي المصالح المصرية بالجزائر، وصناعتها لاحتقان سياسي ولو مستترًا، وفي السعودية الشغب لم يصل لحد الظاهرة وفي قطر مناوشات بسيطة في مباراة. المشكلة بالفعل يمكن حصرها، وظاهرة الشغب تحديدًا في عالمنا العربي، محدودة لكن في الأيام الأخيرة أصبحت مقلقة، خاصة أن الشريحة الأولي في تنظيم الشغب، وهم المحترفون، فتية بدأت تستقطب الشباب المتعصب رياضياً وهم الألوف من المترددين علي الملاعب بمن فيهم الألتراس وروابط المشجعين وهنا الخطورة.. بدون شك هناك حلول وحزمة إجراءات في اعتقادي تبدأ من المنزل.. الأسرة تلعب دوراً مهماً في حل تلك الإشكالية. أحكي أثناء الأزمة بين جماهير الكرة المصرية والجزائرية اتضح لي من خلال الرصد والمتابعة أن الفترة العمرية من 15 - 30 سنة لعبت دوراً مهماً في اذكاء نيران الغضب بل كانوا السبب الأهم في الأزمة حيث تسابقوا في تصدير الإهانة للجانب الآخر.. واصطناع المواقف المؤذية.. شباب البلدين من المتطرفين رياضياً حاولت كل شريحة منهم تقديم نفسها.. بالكشف عن إمكانياتها خاصة في مجال الرسائل الإليكترونية واليوتيوب والمواقع الإلكترونية.. لدرجة أن ابني عمرو وهو طالب بالجامعة الأمريكية جاءني غاضباً قائلاً «كيف تتركون الجزائريين يشتموننا ويسخرون منا؟». وسألته كيف؟ قال الجزائر حرقت علم مصر وبهدوء شديد أدركت الموقف، قلت: من أين لك بهذا المشهد؟ قال: «شوف» وفتح اللاب توب ووجدت أن أحد شباب الجزائر بالفعل فعل ذلك.. في نفس الوقت كنت قد اطلعت علي سر غضب أحد شبان الجزائر وهو يحاول إثارة شباب بلده بادعاء أن هناك 9 قتلي من شباب الجزائر علي يد رجال الأمن في مصر.. شرحت لابني عمر أن المشكلة يقف وراءها أشخاص من هنا وهناك وليس حكومة الجزائر ولا حكومة مصر.. بل حكيت له علي موقف عشته في جريدتي عندما دخل زميل لي حاملاً أوراقًا مطبوعة منسوبة لجريدة جزائرية قائلاً لي: شوف الجزائريين بيشتمونا إزاي: شوف بيسخروا من ماضينا وحاضرنا عن طريق الكاريكاتير والرسومات المسيئة للمصريين.. فقدت أعصابي ودخلت مكتبي.. وبعد دقائق طلبت من زميلي الرسومات الجزائرية المسيئة للمصريين وبالفعل حصلت عليها ودققت فيها وجدتها من صنع خمسة من الشباب غاضب من الأشقاء بالجزائر.. هنا قلت لزميلي هذا ليس صنع حكومة.. بل أفراد.. خمسة من الشعب الجزائري.. فلا تنفعل.. إذن يجب التركيز علي نوعية هذه الشريحة العمرية يعمل ويراجع حماية لهم بشرح الآثار المدمرة للشغب وخاصة علي الشخص نفسه!! خاصة أيضًا أن المشاغبين هم أكثر عرضة للإدمان من غيرهم.. كما قلت إن المتعصبين للأندية والمنتخبات من المهم تحديد عصبيتهم وحصرها في التعليق علي لعبة أو مشهد بالملعب ولأن المشاغبين الشريحة المحترفة في الشغب يستغلون هؤلاء في الدعوة لهتافاتهم.. الجهة الثانية التي ألومها أو علي الأقل أري أنها مهمة في مقاومة هذا الخطر القادم هي الإعلام بكل صوره.. هو عادة يلعب دوراً مهماً إما في تأجيج الشعور الغاضب أو بالعكس.. في الأزمة المصرية / الجزائرية تحديداً اعتقد أن 60% منها صناعة إعلامية.. السبب أن الأشقاء في الجزائر وأيضاً في مصر.. تعاملوا مع الإهانة وكأنها من صنع جماعي.. مثلاً الطوبة التي قذف بها متعصب مصري أتوبيس منتخب الجزائر بالقاهرة.. الأشقاء في الجزائر صوروا الحادث وكأن كل المصريين شاركوا فيه.. في نفس الوقت الطوبة التي قذف بها شاب جزائري أتوبيس الأهلي قبل مباراته مع الشبيبة الجزائري هناك المصريون من جانبهم قالوا إنه شاب جزائري مشاغب.. هنا تم اغلاق الملف فورًا وتخطي المشكلة. الإعلام لعب دورًا مخربًا في تلك الواقعة تحديدًا في البلدين اصطنعوا الوثائق وزوروا المواقف وحاول كل طرف هزيمة الآخر باللعب علي مشاعر المتطرفين والغاضبين. الإعلام يلعب بالفعل أخطر الأدوار. والدليل دوره في توتير العلاقة بين مصر والجزائر. إلا أنه تدارك موقفه وساهم في اخماد الفتنة بين جماهير مصر وتونس. والمشكلة في الاعلام الرياضي. أنه يتمتع بحرية غير مسبوقة بل إن الحكومات العربية لم تضع له سقفًا أو خطوطا حمراء في المناقشة والأمر أيضا يحتاج إلي إعادة نظر علي الأقل بضرورة تأهيل مقدمي البرامج بالحد الأدني من المعلومات السياسية. هناك أيضا جانب مهم في مقاومة الشغب ومحاصرته وهو رؤساء الأندية والمدربون واللاعبون وهؤلاء يستخدمون المشاغبين لصالحهم في حسم الخلاف مع الخصوم أو لزيادة شعبيتهم. أما اللاعبون فهم أهم صناع الفتنة وهناك رسائل مشفرة منهم للجماهير مثل الوقوع علي الأرض طلبا لضربة جزاء.. التمثيل في الملعب من قبل اللاعبين والاعتراض علي الحكم وغيرها من الأمور التي تزيد من احتقان الجماهير وتحولها إلي الشغب حتي لو مؤقتا. الرياضة هي أهم وأفضل وسيلة للعب دور مهم في لم الشمل العربي ووضوح التعاون وزيادة التواصل. لماذا لم نستخدمها لتحقيق هذه الأهداف؟ برغم ذلك أري أن الرياضة تحديدًا لعبت دورًا مهما في ترطيب الأجواء المصرية/القطرية والمصرية/السورية وعلي الحكومات أن تنتبه إليها. علي الأقل مراقبة عوامل إثارة الشغب أو انتشاره خاصة أن المتعصبين لفرقهم الكروية قطاع كبير من السهل أن يسيطر عليه المشاغبون. اعتقد أن مخرجة برنامج «جرايد علي قناة الدوري والكأس القطرية السورية ميساء العظم وزكريات علي وراشد القطان المهتم بالصوت نجحوا معا في إضاءة شمعة في طريق الشغب علي الأقل ليقوم كل شخص بدوره في تقديم المساعدة وتلك الجهات تحديدًا هي البيت، المدرسة، الإعلام، الأندية، الحكومة.