بالإعلان عن موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، والمقرر في 28 نوفمبر المقبل، نكون رسميا قد دخلنا في الموسم السياسي الأسخن في تاريخ مصر.. عمليا بدأ هذا الموسم منذ انتهت انتخابات 2005 وأدت إلي تشكيلة مجلس الشعب التي ضمت ما يفوق المائة معارض.. منهم 88 إخوانيا.. بغض النظر عن أن هناك من يعتقد أن موسم الانتخابات الجديدة قد دشنته تحركات المرشحين المتصاعدة في الدوائر منذ أسابيع. كل الأطراف التي تمثلت في برلمان 2005 أدركت أن محصلة أدائها الانتخابي والبرلماني لن تبقي كما هي في برلمان 2010 .. الجميع يعرف ذلك من أول يوم في انعقاد المجلس المنصرم.. ومن ثم يمكن القول إن الكل كان يستعد لمعركة اليوم منذ خمس سنوات.. وبما في ذلك الحزب الوطني صاحب الأغلبية.. بعد أن تلقي بكل انتباه رسالة الاحتجاج التي وصلته من الناخبين عبر تصويت أدي إلي وصول كل هذا العدد من النواب المنتمين إلي جماعة غير قانونية ومحظورة. إن طريقة تفاعل النواب، كل في دائرته، وكل في نطاق انتمائه السياسي، سوف تكون مؤثرة لا شك في نتيجة الانتخابات التالية.. خصوصًا أن الانتخابات في مصر تتعلق بالأداء الشخصي للنائب في الأساس، ولكن هناك مجموعة أخري من العوامل سوف تكون لها فاعليتها في مجريات التصويت: - أولاً: تأثيرات الأزمة الاقتصادية الدولية، ونتائجها المحلية، علي الجمهور، وقد يعتقد الكثيرون أن هذا سوف يكون سلبيا في محصلة الحزب صاحب الأغلبية.. لكن هناك ثلاثة عوامل سوف تؤدي إلي نقيض ذلك.. وهي: قدرة الحكومة علي إقناع الناخبين بأنها حمتهم من ويلات مهولة مكنت البلد من عبور الأزمة - قدرة حزب الأغلبية علي تأكيد المكاسب التي تحققت رغم وجود الأزمة - قدرة أحزاب المعارضة وغيرها علي إقناع الجمهور بأن لديها بديلاً.. وهو ما لم يتضح من قبل كما لم يتضح حتي الآن.. المحصلة الحالية هي إنه لا يوجد برنامج اقتصادي بديل متكامل ومقنع. - ثانيا: القدرات التنظيمية التي بنيت خلال السنوات الخمس في مختلف القوي السياسية، سواء علي مستوي حزب الأغلبية - وكان يبني نفسه قبل ذلك - وتمتعت عملية بنائه التنظيمية بنضج واضح وملموس.. أو علي مستوي أحزاب المعارضة التي تلقت درسًا عصيبًا وصعبًا في الانتخابات الماضية وتريد تعويض ما فاتها في برلمان 2005 .. وأعتقد أنها سوف تتمكن من ذلك نوعا ما.. وفي ذات الوقت فإن جماعة الإخوان تعاني من مشكلات تنظيمية حقيقية.. تبلورت بكثافة لحظة تغيير المرشد.. وعبرت عن نفسها في أشكال مختلفة علي مدي السنوات الماضية. - ثالثًا: أداء المعارضة، سواء كانت إخوانية، أو غير ذلك، في المجلس المنصرم، وسوف يكون حاضرًا في المعركة بوضوح أمرين.. الأول أن هذه المعارضة لم تكن مجدية ولم تحقق شيئا مفيدًا للمواطن علي مستوي حياته اليومية.. والثاني الأداء في قلب الدوائر علي المستوي الشخصي للنواب المعارضين إذ تبين للناخب أنهم لا يقومون بما يريد أن يجده لدي نائب مجلس الشعب. - رابعًا: خطورة شبح الدولة الدينية.. وتأثيره الحقيقي علي مستقبل البلد.. وتجسد هذا الشبح أمام الناخبين خلال السنوات الخمس الماضية من خلال أداء نواب الإخوان.. بدءا من مواقفهم المعلنة علي مستوي القضايا الإقليمية وانحيازهم السافر ضد المصالح الوطنية إلي جانب قوي إقليمية أخري مثل حماس وحزب الله وإيران.. وصولاً حتي إلي رغبة هؤلاء النواب في أن ينجرفوا بمصر إلي عصور سحيقة.. لدرجة أن نائبا إخوانيا قد انشغل عن كل قضايا الناس وطلب من رئيس الوزراء تحجيب كل مذيعات كل المحطات التليفزيونية. إن السؤال الذي يتكرر علي ألسنة كثير من المتابعين هو: ما هي مساحة وجود الإخوان في مجلس الشعب المقبل؟ وهو سؤال له ما يبرره.. في ضوء استنتاج الجميع أن الناخب لن يقبل أبدًا بتكرار ما حدث.. وأنه لن يرهن مصير أيدي مجموعة من الذين يعملون من أجل صالح مضاد لمصر ومناقض لمقومات توحدها.. وبغض النظر عن أن قوي في المعارضة غير القانونية بما في ذلك الإخوان تروج لنظرية معروفة ومغلوطة حول تدخلات سوف تجعل وجود ممثلي الجماعة المحظورة منعدما.. فإن جماعة الإخوان نفسها تطرح علي ذاتها أسئلة مؤدي إجابتها أنها ليست كما كانت في 2005 .. وأنها خسرت من دخول مجلس الشعب أكثر مما كسبت. هذا الواقع الذي لا يتم التعامل معه علنا، يشير بوضوح إلي أن الجماعة تعرف ذاتيا إجابة السؤال، لدرجة أنها تقوم الآن داخليا بحملة مكثفة لإقناع كوادرها بجدوي خوض الانتخابات.. في ظل وجود قطاعات كبيرة ترفض هذا.. ما يعني أنها تفتقد الحشد الداخلي المتكامل من الأصل وهو ما سوف يكون له تأثيره الحقيقي علي مجريات التصويت. إن معركة نزيهة، وتصويتا شفافا، تحت إدارة اللجنة العليا للانتخابات، وفي وجود رقابة من المجتمع المدني المحلي، سوف تقود إلي مجلس شعب جديد ومختلف.. وأعتقد أن سؤال الإخوان وأسئلة أخري كثيرة سوف تجد إجابة حين ننتبه إلي الملاحظات التالية: - تريد الدولة انتخابات متوازنة، تراعي المعايير الواجبة التي لن تكون مثالية بالتأكيد، وإنما أقرب إلي ذلك في ظل ضغوط التعقيدات الاجتماعية والعائلية والقبلية. - يريد المجتمع السياسي أن يكون مجلس الشعب الجديد ناضجا، مؤهلاً لأن يمضي بمصر إلي أفق أبعد علي المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. وأن يخلو من «صناع المشكلات» التي لا تفيد البلد أو الناخب.. وهؤلاء معروفون ولا أعتقد أنهم سوف يحظون بثقة الناخب مجددًا. - يريد الناخب مجلس شعب قادراً علي أن يتصدي لمسئوليات مصر الإقليمية.. ويساند المصالح القومية.. لا أن يكون منبرًا لمصالح دول أخري.. خصوصًا أن الإقليم مقبل علي مرحلة شديدة الصعوبة واحتمالاتها معقدة. - يريد الناخب مجلس شعب قادرًا علي أن يواجه تهديد الفتنة الطائفية لا يصب الزيت علي نارها. - يريد الناخب برلمانا يستوعب حقيقة دور المرأة في المجتمع.. خصوصًا أنها سوف تحظي للمرة الأولي في التاريخ بتمثيل خاص.. وسوف تكون لها مقاعدها.. ولا أعتقد أن هذا البرلمان الذي سيقدم ذلك الإنجاز التاريخي للمرأة يمكن أن يرحب بمزيد من أعداء المرأة والرافضين لوجودها السياسي أصلاً. - يريد الناخب برلمانا خاليا من مثيري الفوضي ومؤيدي العربدة السياسية.. تشكيلة تضم معارضة قادرة علي أن تعين البلد.. تصوب الأغلبية وتنتقدها بموضوعية.. معارضة ملموسة ومؤثرة.. وقادرة علي أن تضيف لا أن تخصم وتعرقل.. أن تقول رأيا لا أن تزايد.. معارضة تؤمن بالدولة المدنية وليس بأن تستغل الديمقراطية للعمل ضدها. عديد من العوامل سوف تجيب عن سؤال الإخوان في البرلمان الجديد.