علي رأي المثل القائل «الجعان يحلم بسوق العيش» لفت انتباهي تاريخ مصر مع محصول القمح من خلال مسلسلين أحدهما تاريخي والثاني ديني.. المسلسل الأول «كليوباترا» وقد شاهدته بشغف خلال عرضه في رمضان الماضي.. والثاني مسلسل «يوسف الصديق» الذي يحكي قصة حياة سيدنا يوسف عليه السلام ويعرض حاليا علي إحدي الفضائيات المصرية. مشهدان في مسلسل «كليوباترا» لخصا بشكل دقيق مدي أهمية وقيمة محصول القمح في تاريخ وحياة مصر.. الأول جاء علي لسان الملك بطليموس الثالث عشر والد كليوباترا الذي أداه ببراعة الفنان القدير يوسف شعبان حين لوح باستخدام القمح كورقة ضغط لإجبار قادة روما علي مساعدته في تثبيت أركان حكمه في مصر وهددهم بقطع هبات القمح التي تمنحها مصر سنوياً للروم في حال التخلي عنه. والمشهد الثاني جاء علي لسان الملكة كليوباترا التي جسدت شخصيتها الفنانة السورية الرائعة سلاف فواخرجي حين حل الجفاف بمصر وأمرت رجالها بفتح المخازن لإعطاء المواطنين الطحين «القمح» اللازم لهم قائلة «إن مصر التي تطعم العالم كله لا يجوز أن ينام مواطن فيها جوعان»! أما المسلسل الثاني «يوسف الصديق» فهي قصة أحد الأنبياء العظام سيدنا يوسف عليه السلام الذي خصه الله بإنقاذ مصر من الهلاك حين تمكن بمشيئة الرحمن وفضله من تفسير رؤيا الملك أمنحوتب الرابع المتعلقة بالبقرات السبع السمان والبقرات السبع العجاف، وقال: إن مصر مقبلة علي 7 سنوات من الخير الوفير يعقبها 7 سنوات من القحط والجفاف وأمر بالإكثار من زراعة القمح وإنشاء العديد من المخازن لتخزين «الحنطة»، القمح، والاستفادة منه خلال سنوات القحط وتكللت خطوات نبي الله بالنجاح في الوقت الذي عانت فيه جميع البلدان المجاورة من الجفاف وكان أهلها يقصدون مصر لتدبير احتياجاتهم من القمح. هذا ما يقوله التاريخ والكتب السماوية.. أما الواقع فهو جد مؤلم، خاصة حين نكتشف أن مصر حالياً هي أكبر مستورد للقمح في العالم وأننا عاجزون عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذا المحصول الاستراتيجي لأسباب وحجج غير منطقية بالمرة.. وأننا عشنا أياما عصيبة حين أعلنت الحكومة الروسية مؤخرا وقف صادراتها من القمح، الأمر الذي أدي إلي رفع أسعاره عالمياً. أما حكومتنا النظيفة فكل التدابير والاحتياطات التي اتخذتها هي محاولة طمأنة المواطنين ببيانات رسمية علي فترات تؤكد أن مخزون القمح آمن ويكفي لأربعة شهور.. وأمام هذا الواقع أحمد الله أن السنوات السبع العجاف وقعت خلال عهد نبي الله يوسف عليه السلام لأنها لو حدثت الآن فنحن في حاجة إلي نبي جديد يخلصنا من الهلاك!