قد يعيدون لك جزءاً من ثمن تذكرة السفر بالقطار إذا تأخر عن ميعاد وصوله.. وهذا ما ورد في تصريحات وزير النقل مؤخرا.. ولكن مصائب أكبر من تبعات التأخير المعتادة قد تفاجئك وأنت جالس بالقطار.. وتلك المصائب من النوع الذي لن تعوضك عنه الهيئة ولن تستطيع ان تطالبهم بذلك.. فقد تسمع شتيمتك بأذنك أثناء وجودك في القطار.. قد لا تكون مباشرة ولكنها موجهة لبني جنسك كلهم، أو كلهن، وأنت منهم أو منهن.. هكذا قال بصوت عال لصديقه الجالس بجانبه - علي الرغم من أن عربة القطار كانت مليئة بالسيدات والبنات.. قال: (مفيش واحدة في الدنيا تستاهل انها تشيل اسمي.. قل لي أنت: واحد مثلي بعملي ودخلي فوق الهائل التي ستحمل اسمه سيكون لها الشرف.. ولكن أين هي؟ غير موجودة).. لم أر وجه صديقه ومع هذا بدا من عدم رده الحرج الواضح.. فقد كان الصوت حادا عالي النبرات واضح الكلمات، وكان محتوي الكلمات جارحا بما يكفي لعدم التعليق.. استمر المتعالي صاحب الوظيفة الخطيرة والدخل المتعملق في وصف بنات اليوم بأبشع الصفات من الطمع والجشع إلي الأنانية والكبرياء.. ولكن كل هذا يهون في مقابل ما ذكره عن طبيعتهن الخائنة التي لا تجعل أي واحدة نعم أي واحدة مستأهلة لنوال شرف حمل اسمه العظيم.. وقد ذكر اسمه الثنائي بكل فخر بصوت يسهل سماعه في عربة القطار الهادئة التي ينام نصف ركابها ولا يتحدث الصاحون فيها بل يسمعونه.. تذكرت كتاب جون جراي Men are from Mars, Women are from Venus) والذي صدر في أوائل التسعينيات وحقق مبيعات مذهلة بالرغم من أنه كان يناقش فكرة تكاد تكون كوميدية ينمط فيها الرجال وكأنهم كلهم قد جاءوا من المريخ، والنساء كلهن وقد قدمن من الزهرة.. وهي الفكرة التي بني عليها الحديث حول التواصل بين الرجل والمرأة علي أنهما يستخدمان لغتين مختلفتين، ولذا يتوجب علي كل منهما تعلم بعض من لغة الآخر وإلا لن يقوم بينهما أي حوار.. الغريب أن هذا الرجل المرموق يؤكد حقيقة لم يذكرها جراي في كتابه ألا وهي أن بعض سكان المريخ غير قابلين لتعلم اللغات علي الإطلاق.. ولا يسمعون إلا لغتهم ولا يسمحون لساكنات الزهرة حتي أن يتعلمن تلك اللغة.. فقد أخرج الموبايل وبدأ يفرض علي عربة القطار كلها أن تسمع أغانيه المفضلة وتسمعه هو أيضا في غنائه لبعض المقاطع التي يود أن يركز عليها ويعلق علي محتواها في حديثه مع صاحبه المسكين الذي يسمع فقط هو الآخر.. أغاني قديمة لعبد الوهاب وفي جملها الرومانسية يجد هو أنها غير موجودة في عالم ساكنات الزهرة هذه الأيام.. وكيف به أن يجد بينهن من تسمع معه هذه الأغاني وتشعر بما فيها من شجن!! قطعا لن تعوضك هيئة السكة الحديد عما عانيته أثناء تلك الرحلة المزعجة اللهم إلا إذا ابتدعوا تأمينا للمسافرين ضد منتهكي حقوق وحريات الإنسان..