في سابقة تعد الأولي من نوعها في العالم العربي، أعلن رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس اعتزامه اعتزال لعبة البيزنس، وذلك بعد أن قضي أكثر من 35 عاما يجول في ملاعبها شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا، حيث قرر التفرغ للأعمال الإنسانية، ودعم ثقافة الحوار بين أصحاب الديانات المختلفة. نجيب ساويرس البالغ من العمر 55 عاما، وصاحب أكبر إمبراطورية في مجال الاتصالات في المنطقة، والشريك في خامس أكبر تحالف عالمي في هذا المجال، باستثمارات تجازوت 8 مليارات دولار، أعلن فجأة ومن خلال أحد البرامج الحوارية اعتزامه في القريب العاجل الابتعاد عن إدارة مملكته بصورة مباشرة، وأنه سيعهد بها إلي المدير التنفيذي، وسيتجه إلي مجال العمل الإنساني من خلال المؤسسة التي أسسها في عام 2001، وتحمل اسم عائلته «مؤسسة ساويرس»، ويرأس مجلس أمنائها السفير الدكتور محمد إبراهيم شاكر رئيس مجلس إدارة المركز المصري للشئون الخارجية، وتضم في عضويتها العديد من الشخصيات العامة مثل حازم حسن الشريك الرئيسي لمؤسسة حازم حسن الدكتورة ميرفت التلاوي وزيرة الشئون الاجتماعية الأسبق الاستاذة مني ذو الفقار الدكتورة نادية مكرم عبيد وزيرة البيئة الأسبق الدكتورة نوال كامل المديرة بالبنك الدولي بواشنطن، إلي جانب نجيب وسميح ساويرس ووالدتهما السيدة يسرية لوزا ذات التاريخ الطويل في مجال العمل الأهلي، والتي بلغ حجم التبرعات التي قدمتها المؤسسة خلال هذا العام نحو 265 مليون جنيه، من خلال المساهمة في العديد من المشروعات الصحية للفقراء، والاهتمام بتوفير فرص عمل للشباب، حيث نجحت في توفير أكثر من 26 ألف فرصة عمل حقيقية من خلال برامج للقروض الصغيرة. ما يعتزم نجيب ساويرس القيام به اليوم هو أشبه بما قام به في البارحة الملياردير بيل جيتس «أغني أغنياء العالم» الذي تبرع بنصف ثروته للعمل الإنساني، وتفرغ لإدارة المؤسسة الخيرية التي تحمل اسمه، تاركا امبراطوريته في مجال الكمبيوتر إلي ابنه، والذي استطاع أيضا ضم العشرات من أعضاء نادي المليارديرات ليحذوا حذوه، والانضمام إلي نادي الأعمال الإنسانية، كذلك رجل الأعمال المصري محمد الفايد الذي تبرع بجزء كبير من ثروته للعمل الإنساني. ساويرس أرجع قراره الأخير لما حدث له في الجزائر، والذي جعله يتحالف مع إحدي أكبر الشركات الروسية العاملة في نفس المجال، مكونا خامس أكبر تحالف في مجال الاتصالات علي مستوي العالم، يمتلك نجيب ساويرس منه نحو 21% من عدد الأسهم، أيضا استياءه مما حدث مؤخرا علي الساحة المصرية من سجال ديني في أعقاب ما صرح به الأنبا بيشوي، ورد الفعل من خلال الدكتور العوا، وما تبع ذلك من مظاهرات هنا وهناك كادت أن تعصف بالاستقرار داخل مصر، وهذا ما دفعه لإعلانه الاهتمام بدعم ثقافة الحوار بين أصحاب الديانات المختلفة، علي قاعدة احترام الآخر وقبول التعددية. البعض أعلن ترحيبه بقرار ساويرس، والبعض الآخر أرجع القرار إلي تعثر الامبراطورية في ظل الأزمة المالية العالمية، وأزمة الجزائر، والبعض الآخر وصل بخياله إلي آفاق بعيدة بأن نجيب ساويرس قد ينسحب من السوق المصرية إلي أسواق عالمية أخري أكثر أمانا، وهو ما نفاه ساويرس مؤكدا أنه لن يترك مصر في أي يوم من الأيام مهما كانت الظروف، مشيراً إلي أنه لن يبيع ابنه البكر «موبينيل»، بل سيضمه إلي شركة أخري من شركاته ويكون بهما مؤسسة كبيرة تعمل في ذات المجال، أيضا رجح البعض أن ما أعلنه ساويرس يحمل في طياته رسالة إلي الحكومة المصرية في أعقاب حالة السجال الديني التي سبق وتحدثنا عنها، لكن هذا الترجيح قوبل بالرفض من جانب غالبية الشارع المصري، الذي أكد أن آل ساويرس في جميع مشروعاتهم لا يفرقون بين عامل وآخر، وأن هناك الآلاف من المسلمين والمسيحيين يعملون معا تحت سقف هذه الإمبراطورية، وأن نجيب ساويرس من أشد الغيورين علي مصر، بالرغم من أن آراءه أحيانا ما تسبب جدلا في الشارع السياسي. إذا كان المهندس نجيب ساويرس يرغب حقيقة في التفرغ للعمل الإنساني بنفس قدرته في العمل الخاص، فبكل تأكيد سيكون المستفيد الأول هم أبناء الوطن من الفقراء والشباب الراغبين في الحصول علي فرص عمل حقيقية توفر لهم حياة كريمة.