أذهلني خبر غسيل الشهادات الجامعية في كلية الحقوق بجامعة المنوفية كما أذهل كثيرين لغرابته وطرافته ولما يكشفه من عور التعليم بصورة غير مسبوقة لا في تاريخنا التعليمي ولا علي مستوي العالم.. وما حدث باختصار هو حصول بعض الخريجين علي تقدير (مقبول) وهو ما لا يتناسب مع الوظائف التي يتطلعون إليها مما جعلهم يغسلون شهاداتهم عن طريق الالتحاق بالكلية مرة أخري ولكن في برنامج التعليم المفتوح التابع للكلية نفسها مما أتاح لهم إعادة الامتحان في المواد المختلفة وترقية تقديراتهم بها حتي يحصلوا علي التقدير العام المناسب لطموحاتهم العملية.. وقد كشفت هذه الحادثة الطريفة عن عدة نقاط لا نجهلها ولكننا نتجاهلها.. أولها إنه لا توجد عندنا معايير أكاديمية لوضع الامتحانات وتقدير الدرجات.. فالطالب نفسه بمستواه ذاته تتغير تقديراته في المادة الواحدة تبعا لأستاذها والامتحان الذي يضعه والطريقة التي تقدر علي أساسها الدرجات.. والعملية كلها تسير وفق تباينات شديدة بين الكليات المتناظرة والبرامج المختلفة والأساتذة المتنوعين ولا تخضع لأي معايير موحدة أو متقاربة.. وثاني تلك النقاط المهمة هي عدم إدراكنا لمعني التعليم المفتوح أو غيره من البرامج التي تعتمد علي تحصيل رسوم دراسية عالية أو منخفضة التكلفة من الطلاب مقارنة بالتعليم النظامي في الجامعات الحكومية.. فالكثيرون يعتقدون أن الطالب الذي يدفع أموالا ينبغي أن (نكرمه).. فنسهل له المواد الدراسية والامتحانات والتقدير أيضا.. ولا توجد لدينا مشكلة لأننا لسنا مرتبطين بما يسمي جودة التعليم والمعايير المرتبطة بها والخاصة بمستوي الطلاب في كل مرحلة والخريجين أيضا.. وجود هذا التناقض والتباين هو ما شجع أصحاب ال (المقبول) علي القيام بهذه الفكرة العبقرية وإعادة الامتحان في المواد التي يريدون رفع تقديراتها.. ولو وجدوا فارقاً كبيرا في التقديرات بين النظاميين وطلاب التعليم المفتوح لما أقدم هؤلاء علي ما فعلوه.. ولو كانوا يعلمون أن تقديراتهم ستظل كما هي تبعا لمستوي تحصيلهم الدراسي لما ذهبوا للقسم المحظوظ لترقية تقديراتهم وغسيل شهاداتهم بدفع بعض الأموال.. النقطة الأهم التي ليست واضحة في الخبر: هل يقبل برنامج التعليم المفتوح كل من يتقدم له من حملة الليسانس؟ أم أن هذا كان خدمة خاصة للبعض دونا عن الآخرين؟ وهل ما ذكرته جريدة الأهرام في هذا التحقيق من أن (أبناء علية القوم) هم الذين تم قبولهم يعني أن أبناء علية القوم لم يتمكنوا باتصالات ذويهم من تحقيق تقديرات أعلي أثناء الدراسة النظامية فلجأوا إلي تلك الطريقة المعيبة ودفعوا الأموال ليحصلوا علي التقديرات المناسبة؟ ولم كل هذا العناء؟ هل رفضت الجامعة مجاملتهم ثم قبلت دخولهم التعليم المفتوح بالمخالفة للقانون؟ إلي أين نحن ذاهبون؟ ومن الذين سيصبحون أصحاب المراكز المرموقة في بلدنا؟ هل هم أصحاب الشهادات المغسولة.. ألن تبلي الشهادات من الغسيل كما تبلي النفوس من كثرة الغش؟ الجميع في انتظار ما سيحدث في التحقيقات وكلنا علي أمل أن تكون تهديدات أولياء أمور هؤلاء الطلاب أوهاما تكسرها صخرة القانون..