يقول السفير الأمريكي باتل إنه بعد مغادرته القاهرة في مارس 1967، عين مساعدا لوزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأوسط قام بجولة شملت كل الدول التابعة لمنطقة الشرق الأدني. ولكنه يتذكر زيارة سابقة إلي واشنطن في صيف عام 1966 في إجازة خاصة به، وفي ذلك الوقت كان صديقه جورج بول نائب وزير الخارجية في طريقه للاستقالة، إلي جانب نائب الوزير للشئون السياسية كما خلا منصب مساعد الوزير لشئون الشرق الأدني، وبذلك كانت هناك أربعة مناصب رئيسية بالوزارة خالية. أطلقت الصحافة الأمريكية قصصًا متعددة علي أنه سيشغل أحد هذه المناصب، ولم يكن لديه علم بذلك علي الإطلاق وبدا له كما لو أن هذه الأنباء قد خرجت من البيت الأبيض. وأحد الأشخاص هو الذي سرب هذه الأنباء عمدا. سمع بهذه الشائعات لأول مرة عندما كان في كاليفورنيا في زيارة لعائلة زوجته إذ اتصل به مدير قسم مصر بالخارجية الأمريكية وأخبره بما نشر في جريدة النيويورك تايمز في هذا الشأن. لم يكن - كما يدعي باتل - راغبا في الحصول علي هذا المنصب ولم يرد أن يدخل في عملية اختيار من يعين أولاً يعين بأي طريقة، وكان الموقف محرجًا. عندما عاد من كاليفورنيا إلي واشنطن ذهب لمقابلة جورج بول وهو من أصدقائه الذي أخبره أن ما جاء في الصحافة ما هو إلا تكهنات. بقي باتل في واشنطن لمدة شهر ولم يرغب الرئيس جونسون في مقابلته لأن ذلك كان سيزيد من الشائعات، وفي الليلة الأخيرة له أقام افريل هاريمان نائب وزير الخارجية حفل عشاء علي شرفه هو وزوجته. عندما وصل إلي منزل هاريمان أخبرته زوجته أن أحد رجال الصحافة موجود حاليًا مع هاريمان. وبعد عدة دقائق رأي رولاند أيفانز (من أشهر الصحفيين والمعلقين الأمريكيين في تلك الفترة وكان مقربا من دائرة صنع القرار، وهناك تقليد أمريكي أن يقوم البيت الأبيض أو الخارجية الأمريكية بالاستعانة بعدد من كبار الصحفيين وتزويدهم بمعلومات عن شئون خارجية يتولون نشرها في الصحف ترويجا لوجهة نظر الإدارة ولكن دون الإشارة إلي أنها مصدر معلومات. هذا تعليق مني). قال هاريمان لباتل إنه متأكد تقريبًا بأنه سيكون نائب وزير الخارجية القادم. ذكر له باتل أنه مغادر إلي القاهرة مقر عمله في اليوم التالي وأنه لن يسمح بأي شيء يقرر في هذا الموضوع. وخلال العشاء ألقي هاريمان خطابًا قصيرًا اقترح فيه نخب باتل الذي وصفه بأنه نائب وزير الخارجية القادم. رد باتل أنه يكره أن يقول للمضيف أنه مخطئ ولكنه مغادر إلي القاهرة في الصباح سيصحب معه كميات كبيرة من الأسبرين تكفيه لعامين أو أكثر ولذلك ليس هناك أي أساس للشائعات. بالطبع ظن كل الضيوف أنه يتظاهر بعدم العلم وهو أمر كان محرجا جدا له. عندما عاد باتل إلي القاهرة قرأ في البرقيات التي وصلته من واشنطن نبأ تعيين «نيك كاتزنباخ» نائبًا للوزير الذي كان يشغل من قبل منصب المدعي العام وفهم أن ذلك يعني أنه سيظل لفترة في القاهرة. بعد أسبوعين تلقي برقية من واشنطن تخبره أنهم يريدون تعيينه مساعدا للوزير لشئون الشرق الأدني. شعر بالارتياح كما يقول لأنه اعتقد أن هذه الوظيفة هي أكثر المناصب التي هي مؤهل لها. وعلي هذا الأساس عاد إلي واشنطن عام 1967 وأنه كان يود لو أنه استطاع البقاء في القاهرة لفترة أطول. يتذكر باتل الفترة التي رافقت ترشيحه كمساعد لوزير الخارجية لشئون الشرق الأوسط وكان لايزال في القاهرة، وتوجب عليه العثور علي خليفة له كسفير للولايات المتحدة في القاهرة. تلقي رسالة شخصية نائب الوزير تقول إن ريتشارد نولتي الذي كان متواجدا في المنطقة في ذلك الوقت سيحضر إلي مصر. كان أحد المرشحين المحتملين لهذا المنصب والذي طلب من باتل أن يشرح له طبيعة الأوضاع في مصر والعقبات التي قد تواجهه. وصل نولتي إلي القاهرة وبدا عليه أنه واثق أن الاختيار قد وقع عليه بالفعل، وقام بتفقد منزل السفير وشرح له باتل مختلف جوانب العلاقات المصرية الأمريكية. وعندما ظهر باتل أمام لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ الأمريكي بعد عودته إلي واشنطن أثناء جلسات الاستماع حول ترشيحه لمنصب مساعد الوزير، كان نولتي حاضرا نفس الجلسة التي ستبحث أيضًا ترشيحه سفيرا للولايات المتحدة في مصر. تم تأكيد تعيين الاثنين دون مشاكل تذكر. كان ذلك في أبريل 1967 . قال باتل لنولتي إن مصر علي وشك الانفجار، لم يكن يعرف ماذا سيحدث بالضبط ولكن أوضح له ما جاء في آخر برقية له من القاهرة إلي الخارجية الأمريكية وخاصة فيما يتعلق بالمشاكل الداخلية والضغوط الخارجية علي مصر، واقترح عليه أن يتوجه إلي القاهرة لكي يقدم علي الأقل أوراق اعتماده إلي الرئيس عبدالناصر ثم يعود إلي واشنطن علي نفقته الخاصة إذا ما أراد، لأن باتل كان مؤمنا أنه ليس في استطاعة واشنطن أن يبقي منصب سفيرها بالقاهرة شاغرا لأي مدة كانت. يتذكر أن كاتزنباخ أخبره أنه لا يوجد داع للاستعجال في هذا الأمر، مما دعاه لأن يقول له أنه لا يشاركه هذا الرأي علي الإطلاق، لأن الولاياتالمتحدة تحتاج إلي تواجد سفيرها في القاهرة وبسرعة. وافق كاتزنباخ علي أن يذهب نولتي إلي القاهرة في موعد أبكر. في الحلقة القادمة يحدثنا السفير باتل عن ذهاب السفير نولتي المرشح سفيرًا إلي القاهرة وكيف تأخر وصوله إلي مصر.