رغم تقديمها منذ ستة أيام لم تتح لي فرصة قراءة الاستقالة المسببة التي تقدم بها سكرتير عام مساعد حزب الوفد سامح مكرم عبيد، وقد عدت أمس لقراءتها لعدة أسباب، أولا: أنها تأتي من قيادي مهم داخل هذا الحزب العريق، وثانيا: أن صاحب الاستقالة هو سليل عائلة مكرم عبيد، وهي ذات تاريخ مهم ليس في حزب الوفد فقط، وإنما في الحركة الوطنية المصرية، وثالثا: أن الاستقالة مسببة وتكشف عن خلاف سياسي عميق، وتحولات جذرية في أفكار الوفد الأساسية يمكن القول أنها تخرج الحزب من سياقه التاريخي ومبادئه التي قام عليها وكان بفضلها حزب للأغلبية في مرحلة مهمة من مراحل الوطن. وحرص سامح مكرم عبيد علي كتابة ما نسميه «خطاب أولي» يسبق نص الاستقالة حدد فيه أسباب استقالته في ثلاثة أمور رئيسية هي: أيديولوجية رئيس الحزب التي تبتعد عن مبادئ الوفد وثوابته، رغبة رئيس الوفد في الانفراد بالسلطة وإقصاء المخالفين والمتمسكين بشرعية مؤسسات الحزب، تضارب المصالح الخاصة لرئيس الحزب مع مصالح الحزب. وأعتقد أنها ثلاثة أسباب كان يفترض من رئيس الحزب دعوة الهيئة العليا للوفد لمناقشتها، لأنها وإن صيغت بأدب جم، فقد حوت اتهامات لرئيس الوفد الدكتور السيد البدوي، إن صحت تستوجب خضوعه للمساءلة الحزبية، وربما تستدعي أن يبادر رئيس الحزب إلي طرح الثقة في نفسه أمام المؤتمر العام للحزب الذي انتخبه. ويستعرض سامح مكرم في استقالته بالشرح والتفصيل الأسباب الثلاثة التي دعته للاستقالة وعلي رأسها بالطبع علمانية الوفد، ويشير إلي إيمان البدوي بأن الوفد ليس حزبا علمانيا ملحدا، مؤكدا الوفد ليس حزبا ملحدا لكن علمانية الوفد كما وضع أسسها زعيمه التاريخي سعد زغلول قائمة علي شعار الدين لله والوطن للجميع، تؤمن بحرية العقيدة لكنها تركز في ذات الوقت علي فصل الدين عن الدولة. وأتوقف أمام ما رصده سامح مكرم عبيد في خطاب استقالته من موافقة رئيس الوفد علي إزالة الشعار التاريخي للحزب "الهلال يعانق الصليب" من قافلة مساعدات إنسانية سيرها الوفد إلي غزة، ومن لافتات الحزب في مؤتمره العام، ومن كتيب دليل الوفد المطبوع في يوليو الماضي، وكلها إشارات تعكس قراءتها السياسية تغييرا كبيرا في أفكار الوفد وأسسه القائمة علي دعم الوحدة الوطنية، وإعلاء التعايش بين المسلمين والأقباط وغيرها من الإشارات التي يمثلها هذا الشعار العبقري. ويرصد سامح مكرم أيضا في استقالته نماذج عديدة لانفراد رئيس الوفد بالقرارات داخل الحزب بالمخالفة للائحة الداخلية التي تقيد سلطة "الزعيم" وتجعله عرضة للمحاسبة، ومنها تشكيل ثلاثة مجالس لا وجود لها في لائحة الحزب،والانفراد بتعيين مستشارين في مناصب غير مدرجة، وزيادة رواتب العاملين بصحيفة الوفد دون موافقة المكتب التنفيذي، وإسناد إعلانات الصحيفة بالأمر المباشر لشركة دعاية تابعة للبدوي ودون عرض العقد علي المكتب التنفيذي كما جاء في نص الاستقالة. استقالة السكرتير العام المساعد لحزب الوفد صرخة ضد العبث بثوابت حزب الوفد العريق، ودعوة إلي عدم صنع ديكتاتور جديد، وبها الكثير من المعلومات والقضايا التي تستحق المناقشة إذا كنا جادين فعلا في حياة حزبية سليمة وليس تحويل الأحزاب السياسية إلي رؤساء يدور في فلكهم عدة آلاف من الأتباع المخلصين!