من المفيد أن تجري مشاورات دورية بين المسئولين الأمنيين والعسكريين في الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر في شأن كيفية مواجهة إرهاب "القاعدة" في المناطق الصحراوية المحاذية للبلدان الأربعة أو حتي داخل أراضي هذه البلدان نفسها. ولكن ما يمكن أن يكون مفيدا أكثر هو التخلص من العقد والمواقف الانتهازية كي تكون الحرب علي الإرهاب حربا حقيقية. مثل هذا التخلص ضروري كي لا تستمر "القاعدة" تسرح وتمرح وتخطف أوروبيين وغير أوروبيين في تلك المنطقة الحساسة من القارة السمراء مستفيدة من رغبة البعض في جعل موريتانيا تُستخدم لتصفية حسابات ذات طابع إقليمي صرف لا علاقة لها بالحرب علي الإرهاب بأي شكل من الأشكال. بكلام أوضح، ثمة حاجة إلي تعاون إقليمي واسع من أجل تطويق "القاعدة" من جهة ومنعها من استفراد هذه الدولة أو تلك كما يحصل حاليا مع موريتانيا أو النيجر أو مالي من جهة أخري. فاستفراد موريتانيا، مثلا، وتحويلها إلي "ساحة" للتجاذبات الإقليمية بدل دفعها إلي اعتماد سياسة فعّالة لا يفيد أيا من البلدان المعنية بإرهاب "القاعدة" في أفريقيا علي طول الشريط الممتد من جنوب موريتانيا والنيجر والسنغال وصولا إلي جنوب السودان مرورا بمالي والتشاد. ثمة حاجة إلي بعض العقلانية تلجأ إليها البلدان المعنية بالحرب علي الإرهاب في منطقة الصحراء الأفريقية. العقلانية تعني أول ما تعني الاقتناع بأن الحرب علي الإرهاب تعني الجميع وليست فرصة لممارسة سياسات ذات طابع انتقائي. أول من سيدفع ثمن هذه السياسات موريتانيا نفسها التي خاض جيشها أخيرا مواجهات مباشرة مع "القاعدة" داخل حدود مالي من دون تحقيق نتائج تذكر. في النهاية إن الحرب علي الارهاب تتطلب استراتيجية متكاملة تركز علي تجاوز الخلافات بين الدول التي تتعاطي مع هذه القضية الخطيرة من جهة واقتناع الدول الأوروبية المعنية، بما في ذلك إسبانيا وفرنسا بأن أي صفقات، من أي نوع كان، مع "القاعدة" تشكل مساهمة في دعم الإرهاب وتشجيعه مالياً ومعنوياً. وفي هذا المجال يمكن سوق مثل حي علي صفقة ساعدت في تقوية "القاعدة" في منطقة المغرب العربي. حصل ذلك قبل اسابيع قليلة عندما قبلت إسبانيا إفراج "القاعدة" عن اثنين من رعاياها في مقابل تسليم السلطات الموريتانية عمر أحمد ولد سيدي ولد حمة، المعروف ب"عمر الصحراوي" إلي السلطات المالية. و"عمر الصحراوي" كان موقوفا بسبب خطفه مواطنين أوروبيين وهو عضو بارز في "القاعدة". لم تكتف إسبانيا بالدخول في صفقة من هذا النوع، بل دفعت ثمانية ملايين يورو إلي "القاعدة"... ربما لمكافأتها علي خطف رعاياها! مثل هذه السياسات المهادنة لا تفيد الحرب علي الإرهاب، خصوصا أنه ليس هناك من يريد أن يتساءل عن العلاقة بين جبهة "بوليساريو" المدعومة من الجزائر و"القاعدة"، في ضوء وجود وثائق رسمية تؤكد أن "عمر الصحراوي" انتقل من "بوليساريو" إلي "القاعدة". انتقل هذا الإرهابي من بؤس مخيمات "بوليساريو" في تندوف إلي جحيم "القاعدة" الذي يغطي منطقة واسعة لا يمكن ضبطها إلا من خلال تضافر جهود كل الدول المعنية بالقضاء علي ظاهرة الإرهاب. اكثر من ذلك، لا يمكن خوض الحرب علي إرهاب في وقت تشن الجزائر حربا بالواسطة علي المغرب بواسطة قضية مفتعلة هي قضية الصحراء الغربية التي تمثل جزءا لا يتجزأ من التراب الوطني المغربي. لن يفيد التنسيق بين اربعة بلدان في أي شيء ما دامت هناك ألغام يزرعها النظام في الجزائر في طريق نشوء بيئة معادية للإرهاب في كل شمال افريقيا. ما لم يعد سرا أن عوامل عدة تتضافر في الوقت الراهن وتحول دون تحقيق نجاح ما في المواجهة مع "القاعدة" في المناطق الصحراوية الواقعة خارج الأراضي المغربية التي تنعم وحدها بالأمان. في مقدمة هذه العوامل التركيز علي استيعاب موريتانيا وجرّها إلي حلف اقليمي معاد للمغرب في سياق عملية تصفية حسابات سترتد عاجلا أم آجلا علي الذين يقفون خلفها في الجزائر وغير الجزائر. إضافة إلي ذلك، هناك المتاجرة المستمرة بالصحراويين المنتشرين في كل دول المنطقة عن طريق "بوليساريو". آخر دليل علي ذلك، اعتقال مصطفي سلمي ولد سيدي مولود قائد الشرطة في "بوليساريو" في تندوف لمجرد اكتشافه أن الحل الذي يطرحه المغرب للصحراء، وهو الحكم الذاتي الموسع للأقاليم الجنوبية، يمثل مخرجا للجميع ويضمن مستقبلا أفضل للمواطنين المقيمين في هذه الأقاليم... ويساهم في الوقت ذاته في نجاح الحرب علي الإرهاب والإرهابيين ودعم الاستقرار الإقليمي. باختصار شديد، لا يمكن افتعال مشاكل بين دول المنطقة وشن حرب علي "القاعدة" في الوقت ذاته. لا يمكن للجزائر ان تكون ضد "القاعدة" وأن تستخدم الأداة المسماة "بوليساريو" لزعزعة الاستقرار الإقليمي في الوقت ذاته. لا يمكن للدول الاوروبية، مثل إسبانيا وفرنسا، التي خُطف مواطنون لها في النيجر قبل أيام، المشاركة في الحرب علي الإرهاب والتفاوض مع "القاعدة" في الوقت نفسه. علي دول المنطقة أن تختار بين التعاون الإقليمي والتنسيق الأمني فيما بينها من جهة ومتابعة لعبة البحث عن لعب دور إقليمي مهيمن، لا فائدة منه في المدي الطويل، من جهة أخري. آن أوان تسمية الأشياء بأسمائها. لا يمكن للعبة التذاكي، التي في اساسها عقدة المغرب، ان تستمر إلي ما لا نهاية. أما خلق بيئة معادية فعلا للإرهاب، بيئة قادرة علي إقامة سد منيع في وجه "القاعدة" وفروعها... وإما الدوران في حلقة مغلقة. من الواضح أن البلدان الأربعة المعنية، أي الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر اختارت الدوران في الحلقة المغلقة. هنيئا ل"القاعدة" بمثل هذه السياسة التي لا أفق لها والتي سترتد، للأسف الشديد، علي الذين يقفون خلفها عاجلا أم آجلا.