ما أعجب خَلْق الإنسان ، وما أعجب خُلُقه.. تري الشخص منا وهو يمشي مشية الطاووس مختالاً بنفسه، فخوراً بها، رغم أنه لن يخرق الأرض، ولن يبلغ الجبال طولا، ولكنه يعتقد في نفسه، تماماً مثلما كان يعجب الفتي نرسيس في الأساطير اليونانية بنفسه فأهلكها.. وما أعجب خُلُق الإنسان في تعامله مع أخيه الإنسان رغم كل النقائص التي أشار إليها المولي سبحانه وتعالي في وصفه للإنسان! أشار المولي سبحانه وتعالي، وهو الخالق وصاحب الكتالوج، إلي خصال الإنسان وشمائله في أكثر من موضع في كتابه الكريم.. وهذا الوصف من المولي هو وصف صانع وباري.. لا وصف مشاهد ومحلل.. ولذا فهو أدري بصنعه، وأعلم بخلقه.. فعلي سبيل المثال، أشار سبحانه إلي أن الإنسان بصفة عامة ضعيف واضح الضعف رغم جبروته البين "وخلق الإنسان ضعيفاً"، وأنه سريع اليأس والفرح "ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور" و"أنه بصفة عامة يميل إلي الظلم وغبن الآخرين والاستيلاء علي حقوقهم "إن الإنسان لظلوم كفار" .. إضافة إلي ذلك ، فإن الإنسان يميل بصفة عامة إلي المبالغة في الخصام "خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين".. وأنه متعجل دائماً ولا يكاد يصبر علي شيء "خلق الإنسان من عجل، سأوريكم آياتي فلا تستعجلون".. وأنه يميل إلي الجدل والتمادي فيه "وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً".. وأنه هش من الناحية النفسية "إن الإنسان خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا".. وأنه علي الرغم من ذلك مغرور بقوته مغتر بصفاته "يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم".. ورغم سعة عطاء المولي للبشر وكرمه اللامحدود لهم، فقد خلق الإنسان بخيلاً شحيحاً لا يكاد يشارك أخيه الإنسان في بعض الذي رزقه الله أو أنعم عليه به "وكان الإنسان قتوراً"، "الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتولّ فإن الله هو الغني الحميد".. وكذلك، فإن الإنسان هو أكثر الكائنات والمخلوقات جهلاً وظلماً رغم ادعائه المعرفة، وزعمه بامتلاك الحكمة "إنا عرضنا الأمانة علي السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً".. ورغم ذلك الجهل، فإن الطغيان هي سمة مميزة للإنسان "إن الإنسان لربه لكنود".. ولا عجب بعد ذلك، أن يكون مصير الإنسان ونهايته هي الخسران إلا من رحم ربي "إن الإنسان لفي خسر". اللهم قنا شر أنفسنا، ولا تسلطها علينا.. يا أرحم الراحمين.. يا الله.