استوقفت تاكسيا من النوع الجديد ذي العداد، قلت للسائق: الأهرام من فضلك.. عارف هو فين؟ أجاب: طبعا.. فيه حد ما يعرفش الأهرام فين..؟ انطلق بي، أخرجت من حقيبتي رواية جورج أورويل الشهيرة واستغرقت في قراءتها، القراءة تحميني من التوتر الذي أشعر به في الزحام، لذلك لا أقود سيارتي في القاهرة، الرواية جميلة، والبطل فيها يعمل في وزارة الحقيقة، ووظيفته هي بالتحديد هي ما نسميه بلغة هذه الأيام التزوير، هذه الرواية قدمت للبشر لأول مرة في التاريخ ما يسمي بقاموس أورويل الذي يقول إن الشجاعة هي الجبن وأن الحب هو الكراهية وأن السلام هو الحرب وأن الأكاذيب هي الصدق، استغرقت في القراءة إلي أن توقفت بي السيارة، لم أكن في شارع الصحافة، كنت في نهاية شارع الهرم، أشار السائق إلي هرم خوفو وقال: الأهرام حضرتك. قلت له وأنا أحرص علي ألا أنفجر غضبا: أنا قلت لك الأهرام يارجل وليس الأهرامات.. الأهرام الجريدة في شارع الجلاء. فرد علي بهدوء: هل تعتقد أنني مجرد سائق يقود الناس إلي الأماكن التي يطلبون الوصول إليها؟ أنا فيلسوف أقودهم إلي الحقيقة الكامنة خلف رغباتهم السطحية، عندما تطلب الذهاب إلي الأهرام الجريدة فأنت في حقيقة الأمر تعبّر عن رغبتك في الوصول إلي الحقيقة، والحقيقة الوحيدة علي وجه الأرض هي الموت، أنا أريدك أن تقوم بتفكيك أفكارك حول رغبتك في الذهاب إلي الأهرام ثم تقوم بعد ذلك بتركيبها في تكوين يفي بغرضك، أنت تريد الذهاب إلي هناك لنشر نعي.. أليس الأجدي أن تحدق في هذا البناء العظيم وتفكر في الفقيد وتطلب له الرحمة ودخول الجنة؟ أم أنك تريد أن تنشر كتابا هناك، الدكتور وحيد عبد المجيد هو مسئول النشر هناك، هل تعتقد أنه سيرحب بك؟ هذا الهرم العظيم هو فقط من سيرحب بك هنا.. لأنه ملك للمصريين جميعا. قاطعته صائحا في غضب: لأ.. لقد كنت أريد الذهاب إلي مبني الأهرام الجريدة لكي أقابل صديقي عبد المنعم سعيد. سألني السائق: صديقك؟ بأمارة إيه؟ صرخت فيه: وانت مالك.. بأمارة أي حاجة. فقال بهدوء: اسمع أيها الكاتب الساذج.. الوزراء ورؤساء مجالس الإدارات وأحيانا رؤساء التحرير لا أصدقاء لهم.. يخيل إلي أنك تريد أن تقول أنه كان صديقا لك.. أليس الأمر كذلك؟ لمحت أمين شرطة يقف علي بعد خطوات صحت بصوت قوي حرصت فيه علي إظهار بحة سلطوية: يا أمين.. يا أمين. جاء الأمين علي الفور فقدمت نفسي له: أنا فلان المؤلف المسرحي والكاتب الصحفي. فقال: خير .. تحت أمرك.. فقلت: هذا السائق أتي بي إلي هنا بينما كان يجب أن يذهب بي إلي الأهرام في شارع الصحافة.. فقال في ضيق: وفين المشكلة؟ يرجع بيك تاني شارع الصحافة. فقلت في سخط: هو أنا فاضي.. فقال: آه.. يبقي المشكلة حاجة تانية.. إن حضرتك ما عندكش وقت.. هو حضرتك بتألف مسرح إيه.. إيه آخر حاجة طلعت لك؟ قلت: حضرتك والسواق ده آخر حاجة طلعولي.. أنا ياسيدي مؤلف مسرحية مدرسة المشاغبين.. انفجر الأمين ضاحكا: هأ هأ هأ .. كنت عاوز تروح الأهرام وجابك هنا.. هأ هأ هأ.. ضحكاته كانت هستيرية ومرتفعة إلي الدرجة التي جذبت فيها أنظار عدد من السواح قال لهم: ده مؤلف مسرحية مدرسة المشاغبين، طلب من السواق يوديه جريدة الأهرام فجابه هنا... هأ هأ هئ هئ.