كتبت منذ أكثر من عام عن مشكلة المترجمين الذين يطالبون بنقابة تضمهم وتراعي حقوقهم وتقدم مطالبهم وتكون بمثابة الملاذ الآمن لفئة مهمة من العاملين في مجالات الثقافة العامة والإعلام والتعليم ولهم دور غاية في الأهمية في عصر لا يمكن الحياة فيه دون وجود الترجمة والقائمين عليها.. ويبدو أن الأمر لا يجد صدي لدي المسئولين فلم يتحرك أحد بخطي إيجابية نحو إنشاء هذا الكيان النقابي ولا قام أحد من المسئولين بتوضيح الطريقة التي يجب أن يسلكها المترجمون للحصول علي حقهم في إنشاء نقابتهم.. وما زالت ترد لنا رسائل من هؤلاء الذين يعملون بالترجمة يطالبون فيها ببعض الاهتمام ومعهم كل الحق.. فالملاحظ بالنسبة لأمر الترجمة في بلدنا الآتي: هناك احتياج شديد للمترجمين في مجالات عديدة لنقل الثقافات إلينا والتعبير عن ثقافتنا وأفكارنا خارج حدود لغتنا والعارفين بها.. وفي السنوات الأخيرة ومع مشروعات الترجمة المختلفة، ظهر العجز الذي لا يستهان به في وجود مترجمين أكفاء يستطيعون التعامل مع النص واستخدام الأدوات اللغوية المناسبة.. وهذا يستلزم وجود كيان معني بإعطاء رخصة لمترجمين معتمدين يجتازون اختبارات تقيس مدي كفاءتهم لتمنحهم هذه الرخصة أسوة بالصحفيين مثلا.. وعلي الوجه الآخر يقوم هذا الكيان بالإشراف علي دورات تدريبية لتأهيل خريجي أقسام اللغات من كليات الآداب والألسن والترجمة بحيث يستطيع الخريجون بعد ذلك التقدم لنوال رخصة الترجمة.. ووجود نقابة للمترجمين سيوفر تفعيل تلك الأدوار معا بحيث تقوم النقابة بتأهيل المترجمين ثم اعتمادهم وأيضا الحفاظ علي مصالحهم وضمان حقوقهم من ناحية، ومحاسبة المخطئين منهم وتقويمهم من ناحية أخري.. وسيضمن هذا عدم دخول غير المؤهلين في مجال الترجمة والذي يؤدي بدوره لحدوث مشاكل جمة سبق وتسببت في أزمات ثقافية وعلمية ودبلوماسية.. وستضمن نقابة المترجمين حتما زيادة عدد المترجمين المؤهلين والذين يحتاجهم سوق العمل كما ذكرنا.. إذ إن الإعلان عن وجود تلك النقابة ونشاطها في التعريف بالمترجم ودوره وواجباته وحقوقه سيشجع كثيرين من خريجي أقسام اللغات في الإقبال علي التخصص في الترجمة.. ومن الجدير بالذكر أن هؤلاء قد صاروا يحجمون عن الدخول في مجال الترجمة الذي لا يرون له معالم محددة ولا يفهمون كيفية الحصول علي عمل فيه.. وللعلم، عملية الترجمة علي عكس ما يظن الكثيرون ممن لم يقوموا بها هي عملية شاقة.. تتطلب صبرا ومجهودا وكثيرا من التركيز.. علاوة علي أن القائمين بها ينبغي أن يمتلكوا ذهنا نابها وقدرات متميزة في استيعاب النص من اللغة المترجم منها وثقافة جيدة عن خلفية الموضوع الذي تتم الترجمة في إطاره.. كما أنهم يجب أن يكونوا قادرين علي استخدام أدوات اللغة التي يترجمون إليها حتي يتمكنوا من التعبير بدقة وسلاسة عن الفكرة المنقولة.. الترجمة إذا عملية مهمة والقائمون عليها يفتقدون الاهتمام.. وكلما طال إهمالهم ستقل أعدادهم بل وكفاءة العاملين منهم.. ويجب النظر للأمر بعين الاعتبار قبل أن نفقد عنصرا شديد الأهمية في بناء الثقافة في بلدنا..