أميل للاعتقاد أنه إلي جوار كل عناصر النجاح في مسلسل زهرة وأزواجها الخمسة، من سيناريو لكاتب محترف وإخراج لمخرج يتقن عمله ويفكر بصدق في كل تفاصيله الدقيقة، ثم تلك المفاجأة المدهشة وهي عودة حسن يوسف إلي الوقوف أمام الكاميرا بعد أن خاصمها طويلا، تلك العودة التي تذكرك بعنوان فيلم شهير هو " عودة الابن الضال" ، فإن وجود غادة عبد الرازق كبطلة للمسلسل كان هو العنصر الحاسم في نجاح المسلسل وقبل أن تفكر في أنني تحولت إلي شاعر يلقي قصيدة مديح في غادة أقول لك، هي ليست فاتن حمامة أو سعاد حسني، كما أن الدور ليس في حاجة إلي هذا النوع من الممثلات اللاتي لم يعد لهن وجود، هو في حاجة إلي أنثي طاغية الأنوثة وميزة غادة أنها لعبت الدور بغير أن تظهر لك أو لأزواجها إنها علي وعي بطغيان أنوثتها. إنها الأنثي القادرة علي مناداة الرجل من بعيد. المناداة من بعيد جزء من التراث البشري، ستجده في التراث الإغريقي (السرينات) كما ستجده في تراث الحكايات المصرية، وهو (النداهة) التي تناديك في ليل القرية المظلم لتمشي وراءها وتغرق في النيل. وإذا عدت للتراث العربي في ألف ليلة فلابد أن تتذكر حكاية قبطان السفينة الذي طلب من الركاب أن يربطوه بإحكام في ساري السفينة عند مروره بجزيرة معينة وألا يفكوه مهما كان السبب حتي لو بكي وتوسل إليهم. القدرة علي النداء هو أهم عناصر الأنوثة، وعند هذه النقطة أغامر وأقول، من الصعب جدا أن تجد أنثي نداهة بين الجيل الحالي من النجمات، فنانات؟ نعم.. ممثلات؟ نعم.. إناث؟ الإجابة صعبة للغاية. استعرض كل أسماء الفنانات اللاتي يحصلن علي الملايين، وتحول إلي مخرج، هل ستعطي أيا منهن دور أنثي تنادي بغير نداء علي رجل من بعيد فيسقط مغشيا عليه؟ أو يتكعبل ويأتي طالبا القرب؟ أو يدفع اللي وراه واللي قدامه من أجل أن تكون زوجة له؟ والمشكلة أيضا أبعد من ذلك، النجمات في مصر فقدن الرغبة في الأنوثة، التمثيل لم يعد يتطلب الأنثي، بل يتطلب الزعيمة في مجالها، هن صالحات فقط لأداء أدوار ناظرات المدارس، الصحفيات المدافعات عن حرية الرأي والنشر والتعبير، المحاميات المدافعات عن المظلومين، الأمهات المكافحات ، قل لي بالله عليك ماذا يغري فيهن شخصا مثل الحاج فرج للانشغال بهن؟ ولكن لماذا اخترت الحاج فرج؟ اخترته لأنه نموذج للرجل الجديد الذي تعشقه الأنثي، فلوس كثيرة وزوجات كثيرة وإيمان وتقوي عظيمين. غادة تمثل الأنثي المصرية المفقودة، التي كانت موجودة بكثرة بل كانت تملأ الحياة في كل الطبقات حتي خمسينيات القرن الماضي، ومما يعزز وجهة نظري أن المخرج كان واعيا بطبيعة السلعة التي يقدمها، ستجد ذلك واضحا في التيتر عندما تغمز غادة بعينها ثم تخرج لسانها وكأنها طفلة تعاكس أحدا. من الأقوال القديمة جملة أن فلانة " بتتكلم بالعين والحاجب" هذا هو بالضبط ما حرص عليه المخرج في التيتر وفي بعض مشاهد المسلسل، كلمات الحوار لا تكفي عند الأنثي الحقيقية لابد من مكملات، لابد من وسائل أخري في التخاطب وهي العين والحاجب. وألمح قارئة تقول: طب احنا اختفت من عندنا الأنثي.. وحضراتكم.. لسه الراجل موجود عندكم؟ لسه عندكم أنور وجدي ورشدي أباظة وعماد حمدي وشكري سرحان وزكي رستم ومحمود المليجي؟ وأجيب: عندك حق يا آنستي.. عندما تتحول المرأة إلي شيء فاقد الملامح، يفقد الرجل أهم ملامحه وربما خصائصه الجوهرية.