الملل» هو مرض يصيب الإنسان من تكرار نمط الحياة، ويستوجب الاستشارة الطبية النفسية أو العمل علي تغيير نمط العمل أو الاهتمامات أو تعديل البرامج الحياتية للناس حتي يقضوا علي مرض الملل الذي يصل بالبعض إلي الاكتئاب وإذا جاز هذا علي العامة أو بعضهم فهو بالقطع لا يجوز أبداً أن يصيب مسئولاً عن إدارة مصنع أو مؤسسة أو هيئة أو وزارة حيث تلك المسئولية ترتبط بحياة آخرين ومستقبلهم، وأيضاً آمالهم في غد أفضل أو علي الأقل في تسيير الحياة اليومية في تلك المؤسسة!! ولعل ما نشاهده في حياتنا السياسية في مصر وتلك الموجة من التسيب والاستهتار، تقرأ عن ذلك، وتشاهد أيضاً عبر وسائط الإعلام كل ما يدل علي أننا قد وصلنا إلي مرحلة لا يمكن السكوت عنها أو عليها، وبتحليل تلك الحوادث وما أدي إليها سنجد قاسماً مشتركاً وهو أن هناك مسئولاً قد قصر في واجباته الوظيفية أو أغمض عينه عن سلبية، إما قصداً وهذا يدخل تحت بند الفساد، أو عن عدم قصد، وهذا أيضاً يدخل تحت بند الاستهتار والأخيرة تأتي من الملل الذي أصاب هذا المسئول نتيجة مكوثه في موقعه أكثر من العمر الافتراضي المحدد للمسئولين عن إدارة مرفق من مرافق حياتنا اليومية. ولعل في مقال سابق لي تحدثت عن ثلاثة أشياء (تعفن بالاستمرار) وحددتها (بالماء والدم والإدارة)، فاستمرار تلك العناصر دون تحريك أو دون تغيير يؤدي إلي وجود بكتريا أو طحالب حول المادة المستمرة في الوجود دون حركة وهذا ينطبق علي الإدارة المستمرة في مكانها دون تغيير. والملل أيضاً في حياة المسئول هي كارثة بكل المقاييس حيث انعكاس هذا الملل علي محيط مسئوليته وإصابة هذا المحيط بالتسيب والاستهتار، وعدم وجود آلية للمحاسبة قبل وقوع المصيبة، والمفاجأة التي تصيبنا جميعاً حينما، نسمع عن نقص في مخزون سلعي أو نقص في خدمة تؤدي للجماهير أو مراجعة لمناهج دراسية عفا عليها الزمن في التعليم أو ترك الأمور علي ما هي عليه طالما أن الحياة رتيبة ونمطية ولا أهمية للنظر إلي أمم أخري تقفز حولنا إلي الأمام، بلا هوادة ولا انتظار، كل تلك المؤشرات المتراجعة للخلف، أو حتي الثابتة تجعلها متأخرة للغاية، حيث الجميع يتقدم في الوقت الذي أصابنا الملل بالتوقف التام وكأن قلب المسئولين عن جزء من نشاط الأمة قد أصابته (جلطة) أو اصابته (سكتة دماغية). وهذا لن تأتي القضاء عليه أو القفز من هذا النفق المظلم إلي الخارج، إلا بالقضاء علي «الملل» الذي أصاب المجتمع نتيجة إصابة مسئول عن جزء من هذا المجتمع «بالملل» لا أصدق أن وزيراً في المسئولية يذهب إلي عمله كل يوم بعد الساعة الواحدة ظهراً حيث اصابه «الملل» من مكوثه في منصبه أكثر من عقدين من الزمن شيء من الخيال العبثي!!