يلزمك لفهم الموضوع الصحفي -أي موضوع يناقش اي قضية - بضع دقائق من الوقت لقراءة المقال المنشور والالمام بهدف كاتبه واستيعاب الرسالة التي يطرحها علي قارئ المقال ، لكن الأمر يختلف عند مطالعة الصورة الصحفية.. فنظرة واحدة منك للصورة تغنيك عن قراءة اكثر من مقال حول ذات الموضوع ، فالصورة بما تملكه من تفاصيل حية تعبر اسرع تعبير عن مفردات الكلمات ومختلف العبارات التي يحتويها المقال الصحفي، و لذا كان اهتمام الصحيفة في اي مكان في العالم كبيرا بالمصور الصحفي الفنان الذي يجيد استخدام آلة التصوير الفوتوغرافية ليعبر بلقطة الكاميرا - عندما يختار «زاوية» التقاطها بعناية فائقة وحرفية مهنية عالية - عن الرسالة التي يريد أن توصلها جريدته الي جمهور القراء.. وخلال الأيام القليلة الماضية شاهدت في إحدي الجرائد المستقلة أكثر من نموذج لكيفية استخدام الصورة الصحفية في توصيل رسالة «خفية» من خلال امعان النظر الي «مفردات» الصورة التي تتجمع مع بعضها داخل اطار واحد.. وهذه الرسالة "الخفية" لا تحتاج الي حبر سري يظهرها ليتم فهم معناها المطلوب توصيله للقارئ، لكنها فقط تحتاج الي ربط الاجزاء التي تتكون منها وتفهم علاقة تواجدها بجانب بعضها البعض.. وعندئذ سيفهم القارئ رسالة الجريدة التي من اجلها نشرت تلك الصورة في ذلك الاطار و بهذا «الحجم» و علي تلك المساحة «الكبيرة» و في ذلك المكان «المتميز».. شاهدت صورة تجمع بين احد ملصقات الحوائط التي انتشرت في الفترة الأخيرة تدعو الي انتخاب امين لجنة السياسات بالحزب الوطني السيد جمال مبارك رئيساً للجمهورية ، و كان هذا الملصق في خلفية الصورة كبيرة الحجم، وفي مقدمة الصورة الكبيرة ظهر احد المواطنين الذي تبدو عليه علامات التعب و الارهاق يدخن سيجارته وبدا وكأنه غائب عن الوعي شارد الذهن زائغ البصر لا يهمه الأمر في شيء وكأنه يمثل شعب الناخبين الذي يدعوه الملصق علي الحائط لانتخاب صاحب الصورة.. وكانت هذه هي الرسالة التي وصلت من «تجميع» مفردات الصورة مع بعضها، وإذا لم تكن تلك الرسالة هي هدف الصورة و التي تفصح عن نفسها عند تجميع مفردات الصورة بجانب بعضها البعض، فلماذا لم يتم الاكتفاء بنشر صورة الملصق علي الحائط فقط؟.. بعدها بعدة ايام ظهرت عدة صور لأمين لجنة السياسات مرة أخري بأحجام متفاوتة في مواقع متميزة من صفحات الجريدة ذائعة الصيت ويظهر معها صور أطفال بنظام السلويت الأسود، وكان أبرز تلك الصور صورة لطفل يغمض عينيه ويخفيهما بكلتا يديه يبدو واضحاً في مقدمة الصورة ليظهر ظله الأسود الداكن يخفي وراءه صورة امين لجنة السياسات، ليقرأ القارئ من خلال تجميعه لمفردات الصورة الرسالة «الخفية».. فالمستقبل الذي يرمز له بأطفال مصر و الذي يخاطبه صاحب الصورة علي الملصق لا يهتم بالأمر إلا لكونه لعبة يتسلي بأحداثها التي تدور حوله، ويحاول ان يستفيد من تلك اللعبة بالحصول علي هدية عينية مفيدة منها ، مرة أخري .. اذا لم تكن تلك الرسالة هي هدف الصورة و التي تفصح عن نفسها عند تجميع مفردات الصورة بجانب بعضها البعض، فلماذا لم يتم الاكتفاء بنشر صور الملصقات علي الحائط فقط؟.. وكما استخدمت الجريدة "الشابة" امكانياتها "الحرفية" في توصيل رسائلها الصحفية بأداء حرفي عال من خلال الصورة الصحفية المعبرة، فإن الجانب الآخر من بعض الصحف القومية "الطاعنة" في السن لم يستخدم هو الآخر امكانياته "الحرفية" وخبرته الصحفية العريضة في اظهار الصورة المقابلة للموضوع ، حتي يتمكن القارئ ان يتفهم اصل موضوع "الملصقات" بحيادية، بل انها اهملت حق المواطن المصري عليها في ان يعرف حقائق الأمور من خلالها باعتباره المالك الأصلي لها، و آثرت الصمت و كأن الموضوع لا يعنيها من قريب او بعيد!! ان ثراء الصحافة المصرية صاحبة التاريخ الرائد في عالم الصحافة يظهر في تنوعها واختلاف توجهاتها وقوة عرض افكارها و رؤاها المجردة من اي مصلحة شخصية، ومن المفترض ان يكون هذا التنوع وذلك الاختلاف لصالح المواطن المصري قارئ الصحيفة المصرية، و لن يتحقق ذلك الهدف إلا باعلام القارئ بمختلف وجهات النظر.. التي تؤيد والتي تعارض، أما عندما يقتصر الأمر علي مشاهدة و قراءة وجهة نظر واحدة من جانب واحد، والاكتفاء بمقولة انه ليس في الامكان احسن مما كان من الجانب المقابل لهو التقصير بعينه في حق الجميع.. حق الوطن وحق المواطن القارئ وحق الصحافة نفسها..