لم أتقابل مع د. سمير تناغو (أستاذ القانون المدني بجامعة عين شمس) قبل ذلك وجها لوجه، وإن كنت قد قرأت له العديد من المقالات والحوارات.. ومؤخرا.. استمعت له في محاضرة بالإسكندرية عنوانها (الدولة المدنية وحقوق الإنسان)، وشارك فيها كل من: د. محمد نور فرحات (أستاذ فلسفة القانون بجامعة الزقازيق) ود. هشام صادق (أستاذ القانون الدولي بجامعة الإسكندرية)، وهو اللقاء الذي أداره باقتدار الصديق د. نبيل صموئيل. ولقد ترسخ عندي باقتناع الانطباع الذي تكون لدي من أن د. سمير تناغو هو واحد من أهم دعاة الدولة المدنية في مصر من خلال الأفكار التي طرحها في تسلسل واضح بدون ليس أو مواربة، وأن الدولة المدنية عنده هي دولة علمانية وديمقراطية.. علمانية في مواجهة الدولة الدينية، وديمقراطية هذه الدولة في: سيادة القانون، وتعدد السلطات، والانتخابات الحرة النزيهة، والوجود الواقعي لتوازن القوي السياسية في المجتمع. إن الدولة المدنية هنا هي بالضرورة دولة ديمقراطية تحترم العقل الإنساني، وتضع قوانينها طبقا لما يقتضيه العقل في ضوء التجربة والتطور والمصلحة العامة وتجارب الدول الأخري.. ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية.. يقول المواطن الأمريكي (الذي يحكمنا هو القانون، وليس الرجال)، وهي الجملة التي تعود إلي أرسطو الذي قال (إننا نعطي الحكم لقواعد القانون المجردة، وليس للرجال لأننا إذا ما أعطيناها لهم فإنما نعطيها للحيوان بما تتنازعه من عواطف ومصالح). أكد د. سمير تناغو أن الدولة المدنية ليست ضد الدين ولا تنكره كما يجب البعض أن يروج للدولة المدنية بما يشوهها، كما قال بوضوح شديد إن المادة الثانية من الدستور المصري.. يقصد بها المبادئ العامة الكلية للشريعة الإسلامية التي لا يختلف عليها الفقهاء مثل قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)، وهي المبادئ العامة للقانون المصري مثل مبادئ حقوق الإنسان، وليست من مصادر القانون المصري، وهو ما يعني أنه يجب ألا تغرق المادة الثانية في جدل العواطف والانفعالات.. كما حدث في المادة الأولي من الدستور الصيني التي تنص علي أن (الصين دولة ديمقراطية دكتاتورية)، والمقصود أنها ديمقراطية شعبية تحكمها دكتاتورية البروليتاريا. لا شك.. إن أبرز أعداء العقل والدولة المدنية في هذه الأيام.. هما أصحاب نظرية الحاكمية أي الحكم لله، أي أن الله يحكم علي الأرض، وينوب عنه في ذلك الفقيه رجل الدين.. وهو ما نراه بأشكال متعددة في مجتمعنا المصري.. خاصة عند حدوث التوترات الطائفية وتكرارها. أذكر هنا أن د. مفيد شهاب (وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية) قد أشاد لي في أكثر من حديث شخصي معه بالدكتور سمير تناغو، وهي الإشادة التي وجدتها علي حق في نموذج د. سمير تناغو.. هذا النموذج الحقيقي لفكر الدولة المدنية المصرية.