من يدقق في كثير من أحاديثنا اليومية يجد أنها في أغلبها "شكوي" من الدهر، و"توجع" من تصاريف الحياة ، و" أنين" من قسوة الأيام، والغريب أن الشاكي يجد أن المستمع إلي شكواه يزيد همه هماً، ويجعل "صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء"، علي الرغم من أن صحيح الدين يوصي المؤمنين بالصبر، ويوصي الناس بأن يعينوا بعضهم بعضاً علي الصبر "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا" بدلاً من إشعال نار الفتنة ، وبدلاً من صب الزيت علي النار.. والغريب أن كثيراً من الناس يشيرون علي بعضهم البعض "بالفضفضة"، وبالإفصاح لبعضهم البعض عن همومهم.. فالفضفضة هي أقوي دواء لما يتعرض له الإنسان من مشاكل.. غير أن هذا القول لا يمكن أن يؤخذ هكذا علي علاته.. فالفضفضة إظهار للألم وضغط عليه، وهو وسيلة لجعل ما هو خاف ظاهراً أمام العين.. وقد تؤدي الفضفضة إلي "تضخيم القضايا بدلاً من التخلص منها.. ثم إنها تؤدي إلي مزيد من الشعور بالغبن والظلم، وهو ما يعالجه الصبر.. وقد تعددت الآيات الكريمات التي تحض الناس علي الصبر ، قال تعالي: "إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب"، "ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور"، "استعينوا بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين".. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال "من يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر"، وعن أبي يحيي صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ".. فما أحوجنا إلي فضيلة الصبر ليس فقط في أوقات الشدة، ولكن في أوقات السعادة أيضاً.. فالصبر في أوقات السعادة يتطلب أن يداوم الإنسان علي فعل ما هو صحيح ، وألا يفرط بسهولة، أو يسأم بسرعة، أو يقلع عما هو جميل، فخير العبادة أدومها وإن قل.. والصبر كما يشير المفسرون نوعان: صبر علي المكاره، وصبر علي أداء الخير، وكما أشار المولي سبحانه وتعالي إلي أنه يجب علي المؤمنين أن يستعينوا بالصبر والصلاة" وإنها لكبيرة إلا علي الخاشعين".. مطلوب من كل شخص أن يصبر، ومطلوب منه بشكل أكبر أن يساعد الآخرين علي الصبر "يا أيها الناس اصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون"..