1/ لقد استبان لى أن المرء ليقول أيام راحته ما لا يقوله إذا صار فى معمعة الأحداث..ولربما انتقد المرء اليوم أمرا ما فإذا هو آية عليه بين الناس بعد حين وفى هذا السياق أورد تلك المقولة لأحدهم أعرضها بتصرف وإضافة : ( كثيرا ما كنت أتعجب من أولئك الذين فتحوا قلوبهم لكل من يصادفهم.... كنت أرأف لحالهم إنهم أشبه ما يكونون بمن ينشر غسيله في حديقة عامة قد يعبث به المارة أو أحد الصبية ...عموما لا جرم ف ليس عليهم من حرج فهم من نشروا غسيلهم أمامهم في مكان لم يخصص لهذا الغرض ... وكثيرا ما وجدت في نظرتي تلك المثالية المنشودة والسمو في الذات لكن ما لبثت حتى وجدت نفسي في أحد الأيام أنني لست ببعيد عنهم ... كثيرا ما كنت أتعجب من أولئك الذين جعلوا حياتهم "حكرا" على أناس يسعون في طلب رضاهم ويفرحون بهم ويتجنبون خصامهم ويحزنون على أثره مع أن الحياة لا يحتكرها أشخاص فهي أكبر من ذلك رغم دنوها.. كنت أرأف لحالهم.....إنهم أشبه ما يكونون بمن عاش جل حياته بجوار بئر( يحافظ عليه ويحميه من التداعي وان جف هذا البئر انتظر الغيث حتى يسقط أو تسقط عزيمته قبل ذلك) مع أن الأنهار تجري بقربه لكنه أبى إلا هذا البئر....ولو شرب من هذه الأنهار شربة لعاف البئر بما فيها ... وما أفقت من غفوتي حتى وجدت نفسي أحدهم قد شغفني هذا البئر حبا حتى استعصى علي تركه.. ومع أن ظمئي سيهلكني إن لم أذهب إلى النهر إلا أني سأبقى انتظر الغيث معهم ... هذه الدنيا غريبة ظاهرها حلو أما مذاقها فمر.. غريبة هي!! تضحكك وتبكيك في الوقت نفسه..يشقى من على ظهرها و نرجو أن يرقد من في بطنها بسلام . 2/ لقد استبان لى أن حوارا نشأ بين صم لن يثمر ما يرتجى منه ...فكيف يُرجى خير من حوار لا توجد بين المتحاورين فيه منطلقات مشتركة ومثال ذلك: من يرتضى القرآن الكريم والسنة المطهرة مرجعية أو قواعد المنطق والقياس العقلى ومن لا يرتضى ذلك....كيف هو شكل الحوار بينهما؟؟؟ أو من لا يسلم ببدهيات المعرفة الإنسانية والخلق أو الذوق العام كالذى لا يرى فى الصدق فضيلة ولا يرى فى الكذب رذيلة على حد قول أحدهم...فكيف يكون ثمة حوار بينهما؟؟ أو كالذى يحادثك بطريقة استئصالية ومن ثم فهو لا يراك أساسا كمحاور وإنما كخصم يجب استئصاله...كيف تقنعه أنك إنسان تفكر مثله بيد أن مرجعيتكما مختلفة؟ أو كالذى لا يتحاور إلا ليثبت أنه على صواب وأنك لا تفهم شيئا ومن ثم يتكلف جمع ما يدل على صدقه وكأنه- بل هو- لا يسمع إلا نفسه...فكيف ينشأ حوار مثمر بينهما؟؟ عموما لقد استبان لى أن من يعاند فطرته مهزوم – لا محالة- وإن بدا –فى أوضاعنا المقلوبة هذى – حينا من الدهر ظاهرا. 3/ لقد استبان لى أن من الأخطاء الغبية التى لا يرتجى معها حوار مثمر التسرع في إصدار الأحكام . إذ إن التسرع في إصدار الأحكام دون روية. مع عدم وضوح الرؤية. يوقع في أخطاء تصرخ بشدة الغباء . ...فأحدهم يظن ظنا يحسبه يقينا ثم يبنى عليه حكما هذا الحكم عنده فوق الخطأ لأنه مبنى على مقدمات....ولقد استبان لى أن هذا الصنف لديه غرور بالنفس أو كبر – لن يبلغه- لا يمكن أن يصل به إلى صواب طالما ظل على طريقته هذى . ولقد انتقد القرآن بشدة لاذعة الذين يقفزون عند السماع الأوّلي للمشكلة إلى إصدار الأحكام وإشاعتها. دون تحليل واستنتاج عقلى أو إن شئت الدقة دون إعمال العقل فيها...ويصف القرآن هذا الأسلوب المتسرع بأنه تلقٍّ للمعلومات الأولية باللسان. دون الصبر عليها ودون إعمال العقل فيها. ألا ترى لقوله تعالى فى شأن حادثة الإفك: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} النور:15 ويتهدد القرآن الفاعلين لذلك بالعقوبة الإلهية. لما يترتب على هذا الأسلوب في الحكم من أخطاء. {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} النور:17 . 4/ لقد استبان لى أنه ما اجتمعت مع قسوة القلب فضيلة ...وكم لمسنا فيمن حولنا من أشخاص قساة القلوب بينهم وبين الحكمة بون بعيد...ولن يعرف قلب استبان معالم الحق ورضى بالله ربا وبمنهجه سبيلا لن يعرف ضيقا أو قسوة تضله ...وفى هذا السياق نفهم قوله تعالى ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين ..) الزمر 22 5 / لقد استبان لى أن تغيير قناعات الناس بمقالة تكتب هنا أو هناك أمر عسير. وليس من المنطق بشيء الاكتفاء بكتابة مقالة لتغيير تلك القناعات دون التحام مباشر بالناس فمهما بلغت روعة المقالات فسوف تُنسى مع الزمن فهي كالشعاع لا تفيد منه إلا العين البصيرة أما تلك التى هي فى عمى فتحتاج إلى مجهود كبير وتحتاج إلى صبر. ولكن لا مناص من أن يسعى كثير من الفاقهين نحو تقديم المعذرة إلى الله ونحو الجهاد بوسائل عدة منها الكلمة ومنها غير ذلك كل على حسب طاقته وميدانه ... وعلى قدر النيات وصدقها تكون معية الله وتوفيقه. ونذكر بأن طريق الحق طويلة.. و بأن كثيرين يميزون بين الغث والسمين وإن بدا أكثرهم صامتين وما أجمل أن نستبصر بالأثر الذى يقول: (إن النصر مع الصبر) و(وإنما النصر صبر ساعة). فى النهاية أسأل الله أن ينفعنا جميعا سيد يوسف