لأهميته في تقديم التاريخ الحقيقي للدولة العثمانية، التي هاجمها الكثيرون، وكتبوا عنها بشكل غير موضوعي، وحملوها مسئولية ما حدث للثقافة والحضارة الإسلامية من تراجع، عقدت "الهيئة العامة للكتاب" ندوة بمناسبة صدور الطبعة الثالثة من كتاب "المسلمون والحداثة الأوروبية"، للسفير اللبناني الدكتور خالد زيادة؛ عن هيئة الكتاب، الذي كانت طبعته الأولي قد صدرت عام 1981، والذي يقدم قراءة موضوعية لتاريخها، أدارها الدكتور وحيد عبد المجيد، وشارك بها كل من: الدكتور عماد أبو غازي الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة، والدكتور محمد عفيفي، والدكتور نبيل عبد الفتاح. قال الدكتور وحيد عبد المجيد إنه: تكمن أهمية الكتاب فيما يطرحه من قراءة موضوعية في تاريخ الدولة العثمانية، مقابل اتجاه عام وقوي لتحقيرها وتحميلها مسئولية كل ما حدث للمسلمين من تخلف وتراجع، ويقدم الكتاب دراسة علمية موضوعية لمشاريع الإصلاح في هذه الدولة، التي بدأت من القرن السابع عشر وليس في نهاية القرن التاسع عشر، وهذه المشاريع تأثرت بعوامل يمكن رصدها بوضوح، وقد اختلفت الكتابات مع هذا الاتجاه الثابت في الدولة العثمانية، وكان معظمها كتابات إسلامية دافعت عن الدولة الإسلامية دفاعا أيديولوجيا. وأضاف: الكتاب لا يدافع ولا يهاجم عن الدولة العثمانية، لكنه دراسة مكتوبة بلغة جيدة، يتبين منها أن هناك قراءة أخري للتاريخ العثماني. ومن جانبه أشار الدكتور محمد عفيفي إلي أن أهمية الكتاب ترجع إلي رصده بدايات الإصلاح والتعرف علي أوروبا ونهضتها؛ فالمؤلف يتناول المسألة في واقعها وعالمها الطبيعي آنذاك؛ حيث حدث التعرف علي التقدم الأوروبي في الدولة العثمانية أثناء الهزيمة أمام الآخر سواء الروسي أو النمساوي؛ ولذلك فكرة الإصلاح كانت من الجانب المادي والعلمي دون النظر للجانب الأخلاقي، كما أننا نتصور أن العدو هزمنا لتفوقه عسكريا وعلميا، ولكن هناك ما وراء ذلك، فقد أشار المؤلف إلي حدوث تعارف مبكر في الأطراف مثل المغرب والهند. وأكد الدكتور عفيفي أن المشروع الإصلاحي لمحمد علي جزء من الإصلاح العثماني، أما دور الحملة الفرنسية فكان محدودا جدا، ولم يكن محمد علي متأثرا به، بل كان أمامه الكثير من العوائق كاللغة التي أثرت علي حركة الترجمة، وكذلك عامل الدين الذي كان يشكل عائقا كبيرا جدا بين المصريين والفرنسيين. أما الدكتور عماد أبو غازي فقال: يعتبر هذا الكتاب إسهاما مبكرا لأنه قام بطرح رؤية مغايرة لما كان سائدًا من آراء عن فشل تجربة التحديث في مجتمعنا مرات بعد مرات، وهذا الكتاب يلقي الضوء علي تجارب التعرف والاحتكاك بالغرب في فترات سابقة، ويحاول أن يرصد فترات أدرك فيها عالمنا العربي والإسلامي في الشرق الفرق بينه وبين الغرب ومدي الركود في الشرق، وهذا لا يلغي الحملة الفرنسية التي أثرت في وجداننا، لكننا نري من خلاله لحظات احتكاك أخري ربما لا تكن بعنف ما حدث في وقت الحملة الفرنسية كالاحتلال الأجنبي لمصر والشام لمدة ثلاث سنوات، وكثير من التجارب التي رصدها الكتاب ارتبطت بالهزائم العسكرية، فكان المدخل الدائم هو تطوير التقنية العسكرية، وغاب الجانب الفلسفي حول موضوع الحداثة. وأوضح الدكتور خالد زيادة أن فكرته الأساسية لهذا الكتاب هي ضروة التعرف علي تجربة الإصلاح في الدولة العثمانية، فمنذ سبعينيات القرن الماضي وهناك الفكرة التي تم تداولها حتي اليوم، وهي أن الحملة الفرنسية هي السبب الذي أطلق هذه النهضة، بينما رأي الدكتور زيادة أنه لم تكن الحملة الفرنسية هي السبب المباشر للنهضة، وإنما هزت مصر هزا عنيفا، لكن هناك تجربة إسلامية أخري تأتي في موقع مهم جدا، وهي الدولة الإسلامية الكبري التي قامت في اسطنبول في ذلك الزمان.