هل نري خلال هذا الشهر مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين ودولة إسرائيل؟. السؤال من باب الفضول ليس أكثر، فلا نملك أنا أو أنت أي شيء لنفعله في هذا الموضوع، أو القضية لو شئت، فلسنا القاضي ولا المحامي ولا الشهود، نحن منذ عقود مراقبون عن طريق قراءة الأخبار والآراء في الصحف والإعلام ثم نعيد تكرارها لبعضنا البعض بنفس الكلمات. ما الذي يخطر علي ذهنك عندما تسمع جملة المفاوضات المباشرة؟، بالنسبة لي أتذكر بداية الأحداث وهي الحرب بين الجانبين وقرار الأممالمتحدة بتقسيم الأرض بين الطرفين لحل المشكلة، أي دولة لإسرائيل وأخري لفلسطين. ما هدف المفاوضات المباشرة الآن؟ دولة لكل منهما وهو نفس قرار الأممالمتحدة الذي رفضته كل البلاد العربية.هل يحصل الفلسطينيون الآن علي مساحة أكبر مما جاء في قرار التقسيم؟ العكس هو الصحيح، يقفز السؤال فورا، لماذا كانت كل هذه العقود من القتل والدمار والتخلف علي كل المستويات؟.ولكن لننتظر.. فالفلسطينيون اليوم في مرحلة التفاوض غير المباشر، وقد لا يصلون أصلا إلي المفاوضات المباشرة، وهو ما يعني أن باب الأمل مازال مفتوحا لمواصلة النضال لعقود أخري حتي ينتهي الفيلم بنهاية سعيدة وهي إزالة إسرائيل من الوجود، وهو ما تهدد به إيران، وما تدعو إليه حماس وحزب الله في لبنان وسوريا لأنها تساند أختها فلسطين ولأنها هي أيضا احتلت في غمار هذه المساندة. إذا كنا رفضنا قرار الأممالمتحدة في عام 48 فما الذي تغير اليوم لنشكو إليها كل يوم والتاني وندخلها شريكا إذا نجحت المفاوضات المباشرة؟، وهل كنا نحارب إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل فقط أم كنا نحارب المجتمع الدولي كله؟. نحن نكره الأسئلة كطالب الثانوية العامة عند الامتحان نصرخ بأنها أسئلة صعبة ومن خارج المقرر فقد حفظنا عدة نماذج لموضوعات إنشاء لا بد أن يأتي واحد منها في الامتحان. اليوم قرأت موضوعا في صحيفة مصرية يؤكد كاتبها أن إسرائيل إلي زوال مستشهدا بآيات قرآنية وحديث نبوي، وأنا أصدقه، لكنه لم يحدد متي سيحدث هذا ولم يقل لنا ماذا نفعل الآن، هل ننتقل إلي مفاوضات مباشرة؟ أم ندخل حرب مباشرة؟ وسكوته يعني أنه يدعونا - قصد أم لم يقصد- أن ننتظر حتي قيام الساعة. قفزت إلي ذهني فجأة مسرحية (هاملت) لشكسبير، تبدأ المسرحية في ليلة عاصفة مظلمة بظهور شبح والد هاملت يخبره أن عمه قتله وتزوج من أمه ويطلب منه أن يأخذ بالثأر، بدأ هاملت يفكر هل كان الشبح الذي رآه حقيقة أم وهما؟ وهل كان الاتهام حقا أم كذبا؟، فإذا كان حقا فهل يصبح من حقه بل من واجبه أن يثأر لأبيه ويصبح هو ملك البلاد؟، عاني هاملت الحيرة والتردد وقال جملته الشهيرة (أكون أو لا أكون تلك هي المشكلة)، تنتهي مشكلة هاملت في نهاية المسرحية بمقتل كل الشخصيات! هاملت نفسه و عمه وأمه وحبيبته ووالدها الوزير الذي قتله هو دون عمد وغيرهم من الشخصيات ولا ينتصر أي أحد إلا الأعداء، الذين يدخلون بجيشهم في هذه اللحظة تحديدا دون أدني مقاومة. هل كانت المسرحية تتحدث عن ضرورة الانتقام والأخذ بالثأر بلا تردد أو تفكير؟ أم تتحدث عن صراع هاملت في سبيل الوصول إلي يقين يبرر أي فعل يقدم عليه بعد ذلك؟ أي هل كانت مشكلته في تردده في الأخذ بالثأر أم كانت في بحثه عن الحقيقة؟. فكرت قليلا فإذا بذهني يستدعي مسرحية (الملك أوديب) لسوفكليس وفيها يبحث سكان مدينة طيبة عمن كان سببا في غضب الآلهة عليهم فعاقبتهم بطاعون يفتك بهم، راح أوديب يبحث عن الحقيقة بإصرار.لا يتردد كهاملت بل يمضي في البحث والتحقيق، تتكشف له أمور توحي بأنه ربما كان هو السبب، وينصحه الكاهن ترزياس بأن يوقف البحث لأنه قد يجد ما لا يرضيه، فيرفض ويقرر البحث مهما كانت النتيجة، في النهاية تظهر الحقيقة التي توجس منها وهي أنه سبب لعنة الآلهة، فيفقأ عينيه وينفي نفسه خارج الوطن. لماذا هاملت وأوديب الآن؟ إذا كان لا يوجد الجديد فيما يحدث لنا وحولنا فربما نجد عند شكسبير أو سوفكليس شيئا يرتبط بنا، فالإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان، الخلاف الأبرز بين المسرحيتين، أن هاملت تردد وفكر كثيرا ونقم علي الحياة كلها ولم يصل لليقين إلا متأخرا فخسر كل شيء، بينما أوديب وصل لها بسرعة وعاقب نفسه ليفدي شعبه، ما وجه الشبه بين المسرحيتين وبيننا؟ وهل ترانا أقرب لهاملت أم لأوديب؟. أقول لك الحق أننا لا نمت لهما بصلة وهذا هو ما استدعي العملين لذهني!. فالأشياء تعرف بأضدادها. كلاهما عندما واجه المشكلة راح يطرح الأسئلة علي نفسه وعلي الناس. أما نحن فلا نفكر في أي شيء ولا نحتار أو نتردد لحظة ولا نسأل أو نحقق فنحن نملك اليقين وبالتالي نقرر أن نفعل ما نراه حقا ونتمسك بهذا لآخر الدهر.مشكلتنا فقط أننا لا نفعل أي شيء!. لا شك أننا قلنا في لحظة نكون أو لا نكون، ولم نتردد ثانية واحدة لنقرر أن نكون، ثم لم نفعل شيئا.وأنت لا تعرف إذا كان هذا الشخص موجودا أم لا، إلا من خلال فعل مجد أيا ما كان. لكن إذا لم تكن موجودا فليس عندك أي مشكلة. أو هكذا توهم نفسك لكي تواصل الحياة وتقنع نفسك والآخرين أنك مازلت موجودا!.