المقصود هو د. عبد العزيز بن عثمان التويجري (المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة) والمعروفة اختصاراً باسم "منظمة الإيسيسكو"، والذي كتب يوم الاثنين الماضي مقالاً بجريدة الأهرام يعقب فيه علي ما جاء بحوار الدكتور الشيخ أحمد الطيب (شيخ الأزهر الشريف) لنقيب الصحفيين مكرم محمد أحمد في 10 يوليو الماضي. دار تعقيب التويجري علي جمل محددة جاءت في سياق الحوار هي (... تراجع دور الأزهر خارج مصر علي حين نشطت جهود آخرين لتملأ هذا الفراغ، نشطت الكنيسة الغربية في دورها التبشيري في إفريقيا، ونشطت الماركسية في جهودها للتقليل من أهمية الدين، وساد فقه البادية وسعت الوهابية إلي أن تملأ جزءاً من هذا الفراغ.... أعود فأقول إنه في غيبة دور الأزهر، نشط السلفيون، ونشطت بعض المذاهب الوافدة، وحاولت الوهابية أن تملأ الفراغ، وانتشر فقه البادية علي حساب فقه الوسط). إذا كان التويجري لا يري أن الأزهر الشريف قد تراجع خارج مصر.. فهو أمر جيد وحسن بالنسبة لنا، ولكن يبقي رأي الإمام الأكبر الذي يعبر عن طموح وآمال لم تتحقق ليس لدور الأزهر كمؤسسة دينية فقط، ولكن أبعد من ذلك كثيراً لدور وطني مرتقب من خلال الأزهر الشريف. أما عن مسألة أن الساحة لم تكن فارغة كما دلل التويجري بأمثلة للعديد من المنظمات والهيئات الإسلامية النشيطة، وعلي سبيل المثال: رابطة العالم الإسلامي، وجمعية الدعوة الإسلامية، ومنظمة الدعوة الإسلامية، والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، والندوة العالمية للشباب الإسلامي. فضلاً عن الشرح التفصيلي للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة التي يرأسها.. فأعتقد أن ما ذهب إليه شيخ الأزهر هو دور الأزهر كأكبر وأهم مؤسسة إسلامية مرجعية علي مستوي العالم للسنة، وهو ما جعل مقارنته بمثل مقدار الأزهر الشريف سواء بالحديث عن الكنيسة الغربية أو الحديث عن الماركسية. كما أنه لا يمكن مقارنة الأزهر الشريف بكل تلك الهيئات والمنظمات مجتمعة. أما الملاحظة الأخيرة والأهم، والتي تعتبر هي أساس تعقيب التويجري هي رفضه لكلام شيخ الأزهر عما أطلق عليه "فقه البادية". والذي عقب عليه باعتباره اجتهاداً ودعوة إصلاحية تجديدية كان لها فضل كبير في تصحيح المفاهيم وتنوير العقول ومحاربة البدع والشعوذة. وذكر أنه لا يوجد في أي معجم فقهي قديم أو حديث مصطلح "فقه البادية". وأعتقد أنه ليس معني أن هذا المصطلح لم يذكر قبل ذلك.. فإنه غير موجود في الواقع والأمثلة علي ذلك كثيرة علي غرار: الشرق الأوسط الكبير وتجديد الخطاب الديني ومواجهة التطرف.. وهي كلها مصطلحات ظهرت في سياق أحداث ومواقف محددة، وتحولت إلي جزء من التاريخ السياسي والاجتماعي لنا. أما عن كون "فقه البادية" دعوة إصلاحية أم غير ذلك.. فهو أمر يتم الحكم عليه ليس من خلال مقدمات التأسيس؛ بل من خلال النتائج الفعلية التي ربطت بين هذا الاتجاه وبين التشدد والتطرف. وهو ما سيحكم عليه التاريخ. أعتقد أنه من الأفضل أن نعترف بحقيقة مشكلاتنا ومواجهتها للتعديل والتطوير والتغيير للأفضل.. وفي تقديري أن فضيلة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب قد قدم نموذجاً عملياً لهذه الواقعية والموضوعية التي تعتبر بداية تحديد أولويات المستقبل.