تحدثنا في المقال السابق عن السؤال الذي تم توجيهه لقداسة البابا شنودة في برنامج من قلب مصر عن مدي أهمية قانون الزواج والطلاق لكي يفضله عن التبني والميراث وقلنا إن السيد المسيح لم يأت مشرعا لكنه قدم مبادئ عامة، تصلح لأن تكون أهدافا للوصول إلي الكمال الذي لا يستطيع إنسان مهما كان أن يصل إليه، لذلك من المستحيل وضعها في شكل قوانين وضعية يطبقها الإنسان في حياته اليومية، ومن ضمنها حديثه عن الزواج والطلاق، أما حديثه عن الميراث ورغم قول السيد المسيح أنه ليس قاضيا ولا مقسما إلا أنه وضع مبادئ عامة من أهمها المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في كل شيء، فعندما تحدث السيد المسيح عن إرادة الله في الزواج رجع إلي آدم وحواء في الجنة وقال إنه منذ البدء خلقهما ذكرا وأنثي، أي رجل واحد لامرأة واحدة مدي الحياة، ولقد تحدث المسيح كثيرا عن أهمية المرأة في الحياة الاجتماعية، ولقد كان السيد المسيح هو أول معلم في التاريخ يجعل النساء من بين تلاميذه فلقد كانت مريم المجدلية ومريم أخت لعازر وغيرهما كثيرات من تلاميذ المسيح، وكن يجلسن عند قدميه ليتعلمن، فلقد احترم السيد المسيح عقل المرأة في مجتمع يهودي، كان فيه الرجل يصلي يوميا قائلاً: أشكرك اللهم لأنك لم تخلقني عبدا ولا أمميا ولا امرأة والمرأة في فكرة أفلاطون والذي كان منتشرا في فلسطين في ذلك الوقت في منتصف المسافة بين الرجل والخنزير، والمرأة هي أصل الشر والخطيئة في العالم، وفي مجتمع مثل هذا يعتبر المرأة أقرب إلي الحيوان يمكن أن يطلق امرأته لأي سبب ولكل سبب.. دافع السيد المسيح عن المرأة بقوة، فعندما جاء البعض يسألون: هل يحق للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب؟! والمعني هنا واضح أي هل يحق للرجل أن يطلق امرأته بالإرادة المنفردة لكل سبب؟! قال لهم السيد المسيح: لا يحق للرجل أن يطلق امرأته إلا لعلة الزني والمعني أنه لا يستطيع أن يطلقها بإرادته المنفردة إلا لعلة الزني، لكن إذا أراد أن يطلقها لأسباب أخري فلا تكون بإرادته المنفردة وهكذا وضع السيد المسيح المرأة في مساواة كاملة مع الرجل، وعندما نتأمل في تعاليم السيد المسيح نجده يتوجه إلي الرجل مرة ثم إلي المرأة والعكس صحيح، فمثلا عندما يضرب مثلا قائلا: يشبه ملكوت السماوات حبة خردل أخذها رجل وزرعها في حقله.. يتبع ذلك مباشرة قائلا: يشبه ملكوت السماوات خميرة أخذتها امرأة ووضعتها في ثلاث أكيال دقيق، إنه يحترم عقل المرأة وذهنها وجسدها وعندما أتي الشيوخ الرجال بامرأة أمسكت في زني وهم يرفعون حجارة لكي يرجموها، تعجب السيد المسيح أنهم لم يأتوا بالرجل الزاني، وعندما قالوا له إن مثل هذه ترجم كما أمرنا موسي قال لهم: من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر، فانسحبوا من أمامه، وهنا قال لها المسيح: ألم يدنك أحد قالت: لا يا سيد قال: ولا أنا أدينك.. اذهبي ولا تخطئي أيضًا. ولقد أخذت المرأة مكانها في الكنيسة الأولي، فكانت شماسة وهي رتبة كنسية لخدمة الكنيسة المادية والاجتماعية، ثم خدمت كمعلمة وكانت معلمة تدعي بريسكلا والتي شرحت لشخص اسمه أبلوس طريق الرب بأكثر تدقيق وكان شخص اسمه فيلبس لديه سبع بنات كن يعظن في الكنيسة، أي يقومون بخدمة الوعظ، بل أكثر من ذلك تحدث بولس الرسول عن يونياس المشهورة بين الرسل، أي أنها كانت رسولة للسيد المسيح مثل بولس وبطرس وغيرهما وقد قدم عظة عنها يوحنا ذهبي الفم في القرن الثالث بعنوان المرأة التي حسبت رسولا، إذن هناك مساواة كاملة بين الرجل والمرأة فبالأولي أن يكون هذا في الميراث، ولا يعني وجود نص واضح عن ميراث المرأة إلا أن المساواة الكاملة والتامة بين الرجل والمرأة تحتم ذلك ولا يجب التعليل بعدم وجود نص أن نتنازل عن هذا في قانون الأحوال الشخصية، خاصة أن بولس الرسول أعلن أنه ليس يهودي ولا أممي، ليس عبد ولا حر، ليس ذكر ولا أنثي لأنكم جميعا واحد ولقد حسم الأمر الأول ليس يهودي ولا أممي في القرن الأول، وحسم الأمر الثاني بعد تسعة عشر قرنا من الإنجيل (ليس عبد ولا حر) أما ليس ذكرا وأنثي فلم يحسم بعد بسبب التخلف المجتمعي الذي نعيش فيه.