«موت أي إنسان يهز كياني لأني خلقت كجزء من الإنسانية.. ولن أعرف أبداً لمن تقرع الأجراس.. ربما كانت تقرع لك». الأسطر السابقة هي ترجمتي المتواضعة من اللغة الانجليزية القديمة لشاعر ميتافيزيقي من القرن الثاني عشر اسمه جون دن، يبدو أنني لست الوحيد الذي هزه روعة وعمق جون دن إذ إن أحد أبطال شبابي الكاتب الأمريكي انيست هيمنجواي تأثر بهذه القصيدة لدرجة أنه اقتبس منها اسم قصته الخالدة عن الحرب الأهلية الإسبانية «لمن تقرع الأجراس»؟ الحقيقة ومنذ الصغر فإن علاقتي مع الموت معقدة أنا لا أخشي الموت ولكني احترمه طول العمر شيء مرغوب فيه جدا كما قال الثائر الأمريكي الكبير مارتن لوثر كنج في خطبته التاريخية قبل اغتياله بساعات ولكن كل الأسباب المهمة التي تدعو الإنسان الحقيقي للتشبس بالحياة هي نفس الأسباب التي تدعوه إلي التضحية بالحياة، هذا هو درس فلسطين وكذلك درس تحرير سيناء من عدو غاصب أقول كل هذا ولكن موت شاب بدون أي سبب أو ضرورة حتمية هو داعية للألم الذي ما بعده ألم وليس فقط لعائلته وأحبابه وإنما لكل إنسان يشعر أنه جزء من الإنسانية كما يقول جون دون في قصيدته. من هذا المنطلق لا أستطيع أن أعبر عن مدي الألم الذي شعرته ومازالت أشعر به لموت شاب الإسكندرية في أحداث أليمة عبثية. نحن المصريين نحب بقلوبنا وعقولنا معا وليس عندنا هذا الانفصال بين العقل والعاطفة العقلية التي نوهت عنها في مقالات سابقة وهي عكس كثير من الحضارات الغربية الحديثة التي تعاني من انفصام في الشخصية بين العقل والعاطفة وبين العلم والفن انظروا علي سبيل المثال تصرف رئيس وزراء إسرائيل السابق ايهود أولمرت الذي ضحي بحياة آلاف الأبرياء بما فيهم أبناء جنسه من الإسرائيليين لينقذ حياة جندي واحد هو «جلعاد شاليط» هل هذه شجاعة؟ لا أظن أنها جبن، هل هذه إنسانية ومحبة لشاليط؟ لا أظن، أظن أنها قسوة وعجرفة لا تمت للإنسانية بشيء قارن تصرفات حكومات إسرائيل المتعاقبة في ربع القرن الماضي بتصرفات جمهورية مصر العربية بقيادة الرئيس محمد حسني مبارك وسوف تري أي الدولتين هي المتحضرة وأيهما هي التي تراعي حقوق الإنسان وتحترم القانون الدولي والعرف العالمي. .. ونكمل غداً