لم أجد وصفا وتفسيرا منطقيا، يبرز حزننا علي موت الآخر، أفضل من هذا التبرير الذي ساقه إلينا الشاعر الإنجليزي الفذ »جون دن« »12/1/2751- 13/3/1361« في قصيدته الرائعة »لمن تقرع الأجراس!« يقول الشاعر - الشاعر حقا- في مقدمة هذه القصيدة الرائعة: »ليس هناك إنسان علي وجه الأرض عبارة عن جزيرة قائمة بذاتها.. كل إنسان هو جزء من الأرض.. جزء من الكل.. وإذا ما كان يسهل للبحر أن يمحو حفنة من التراب.. فإن قارة مثل أوروبا هي الأصعب منالا لوقوع هذا المصير« ثم ينتهي الشاعر العظيم إلي خلاصة فكرته بأن يقول في نهاية هذه القصيدة الخالدة: »إن موت أي إنسان يقضي علي جزء من كياني.. وذلك لأنني أنتمي إلي هذا الجنس البشري.. ولذلك لا تسألوا أبدا لمن تقرع الأجراس؟«.. لأنها تقرع من أجلكم جميعا!! »والمقصود هنا أجراس الكنيسة التي تقرع لإعلان وفاة أحد الرعايا« ويالها من فكرة راقية، ونبيلة، تقدم تحليلا وتفسيرا عميقا للمشاعر الإنسانية إزاء هذا القدر الإنساني الذي لا مفر منه، والذي يسيطر علي عقول ومشاعر البشر جميعا منذ فجر الخليقة، وحتي يوم الدين.. مشاعر ستظل تموج، وتثور تارة، وتخبو أخري دون أن ينجح أي واحد منا في سبر أغوارها، وتهدئة مخاوفنا من هذا المصير الإنساني الذي لن ينجو منه أي واحد منا.. مصير نخشاه جميعا ونرتعد منه خوفا ، وإن كان البعض منا يدعي عكس ذلك.. وفي خوفنا هذا نظل نهرب في جميع أنشطة، ودروب، ومغريات الحياة إلي أن »تدق الأجراس« معلنة عن موت أحدنا.. وعندها نصحو، ونتذكر، ثم نمضي.. ولكن ليس أبدا كما كنا قبل ذلك.