إذن بدأت المعركة.. وأعلن حزب الأغلبية إطلاق الهجوم السياسي.. ربما قبل أن يرتب الجميع أوراقه لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة.. وفيما يبدو فإن هذا دلالة جدية وتعامل حقيقي مع الانتخابات.. من الحزب. الهجوم المقصود ليس فيه إطلاق نار.. وإنما تشغيل لماكينات العقول.. واستنهاض للقرائح.. واستدعاء لكل الأفكار.. فإذا كانت الانتخابات (مرشح - وبرنامج - وتنظيم).. فإن الحزب الوطني أطلق منذ أيام عملية بناء البرنامج.. بطريقة جديدة علي الحياة السياسية المصرية.. وتلك هي المهمة التي تقوم عليها (أمانة السياسات)، ويديرها جمال مبارك. البرنامج هذه المرة يبني، ولا يوضع أو يؤلف، تضع قواعد الحزب مضمونه، وتصنع عقوله محتواه وشعاراته.. بناء علي دعوة من جمال، استنادًا بالطبع لقرار من هيئة المكتب، بحيث تطرح كل لجنة في أمانة السياسات، وأمانات المحافظات والأمانات المركزية، ما لديها من أفكار.. خلال مدة معينة.. تنتهي قبل أن يأفل الشهر الحالي.. ومن ثم تدرس (السياسات) هذه الأفكار.. وتصيغ منها برنامجًا رأت القواعد أنه المطلوب استنادًا لاحتياجات الناس. البناء يتشكل بإسهام الجميع، كل من لديه فكرة يقولها، فإن لم تتح له فرصة في اجتماع هنا أو هناك فإن لديه استمارة استبيان ضخمة يستطيع أن يدون فيها ما يري أنه واجب.. وسوف تتم عملية تحليل معقدة لكل الاقتراحات.. التي أتصور أن بعضًا منها سوف يبقي متوافرًا لصالح البرنامج الواجب طرحه لانتخابات الرئاسة المقبلة في 2011. هذا عمل مبادر يستحق التقدير.. لأنه يوظف كل عقول الحزب وطاقاتها.. التي أعتقد أنها أكبر قوة عقلية متاحة لأي حزب في مصر.. ولأنه يجعل البرنامج نتاج حوار داخلي من أسفل إلي أعلي وليس العكس.. ولأنه يفرض علي مقترحي الأفكار أن يدافعوا عنها فهم من أنتجوها.. ولأنه أيضًا يفرض علي تلك الأفكار أن تتعرض لاختبارات الواقعية.. فكثير من الاقتراحات تكون خيالاً.. وحين تتعرض لنقاش جدي يكتشف من أطلقوها صعوبتها وربما استحالتها في ضوء معطيات الواقع. ولكن، وفي ضوء موازين القوي السياسية التي تثبت أن (الوطني) لأسباب اجتماعية وسياسية وقبلية واقتصادية هو الذي سوف يحشد الأغلبية في مجلس الشعب المقبل، ما مواصفات البرنامج الذي يجب أن يعلن التعهد به في الحملة الانتخابية؟ وكيف نريده؟ لقد حضرت اجتماعًا للجنة الشباب التي أشرف بعضويتها في أمانة السياسات، وكان من المفترض أن أحضر اليوم اجتماعًا مشتركًا لأمانة الإعلام التي أشرف أيضًا بعضويتها، بمشاركة أمانة الشباب، لولا سفري إلي الخارج لمدة يوم، وقد شهدت في لجنة الشباب - واللجنة غير الأمانة - نقاشًا حرًا.. منطلقًا.. غير مقيد.. طرح فيه الجميع (تسخينًا منفتحًا للتفكير).. وقالوا ما لديهم أمام أمين السياسات.. حيث لم تخل المناقشة من انتقادات حادة لبعض جوانب الأداء العام.. وهذا طبيعي ومعتاد داخل الحزب الذي أكرر دائمًا أنه يشهد نقاشات موضوعية بناءة عنيفة وقاسية.. أشرس من تلك التي تقول بها المعارضة.. مع اختلاف الهدف.. والطريقة. ومن المؤكد أن كلام جمال مبارك عن أن البرنامج التالي مختلف لأسباب جوهرية (دقيق وصادق).. إذ تحدث عن أن البرنامج المعلن عنه في انتخابات 2005 طُبق تقريبًا بالكامل.. رغم التشكيك في إمكانية ذلك.. وهذا يعطي دفعة أكيدة للبرنامج التالي.. وإن كان عدد من المتناقشين.. سواء في هذا الاجتماع.. أو غيره.. وبما في ذلك اجتماع المجلس الأعلي للسياسات يوم الخميس الماضي - قد انتقدوا التسويق السياسي للحكومة والحزب.. وتلك قضية أخري. سوف نتطرق في المقالات التالية إلي مضمون ما نتوقعه من هذا البرنامج الذي يدور النقاش حوله حزبيا.. ومن ثم هو يطرح علي الرأي العام بشكل ما لصياغة بنوده.. كما لو أن كل من لديه حلم فليتفضل بأن يعلنه.. ولكنني أريد أن أتوقف عند نقطتين مهمتين تحدث عنهما أمين السياسات.. تأكد منذ اللحظة الأولي أنهما سوف تكونان في جوهر البرنامج الذي طرحه الحزب الوطني علي جمهور الناخبين خلال (انتخابات 2010) ومن ثم في (2011). الأولي هي: إن مكافحة الفساد ليست شعارا. وقد تكلم جمال مبارك عن أن الحزب يتخذ إجراء عبر لجنة القيم ضد كل من يثبت من أعضاء الحزب أنه أدين بجريمة ما.. وأضاف: إن عديدًا من القوانين التي صدرت كان من بين أهدافها أن تغلق أبواب الفساد، وضرب مثلاً بقانون الضرائب.. الذي أهدر علي الفساد فرص العبث من خلال التقديرات الجزافية التي كانت تتم المساومات عليها. والمؤكد من روح الحوارات ومن معانٍ قال بها جمال أن البرنامج لن يقتصر علي هذا.. وسوف يتضمن نصوصًا محددة وواضحة تشير إلي أن مكافحة الفساد هي من أهم أولويات الحزب.. وفي صدارة مشغولياته التالية للانتخابات.. عبر أساليب مختلفة.. وبطرق متنوعة.. وبما ينقل الإحساس من كون تلك المكافحة مجرد شعار لا يطبق وهي ليست كذلك.. إلي أن يكون راسخًا في ذهن الناس أن هذا جهد عملي حقيقي ودائم ومنظم وله آلياته الأنجع. النقطة الثانية تتعلق بحقوق الإنسان، ولن تكون مزايدة أو مبالغة أن أقول إن الحزب الوطني حين تبني الفكر الجديد كان هو أول من طرح في أوراقه ووثائقه مبدأ (المواطنة) وترسيخها.. هذا مطروح علي المؤتمرين العام والسنوي للحزب منذ 2002 وإلي الآن.. وتجسد في إجراءات متنوعة.. وقد أخذ الرئيس باقتراح الحزب فيما يخص تأسيس المجلس القومي لحقوق الإنسان.. وصدرت قرارات متتالية تصب في اتجاه ترسيخ حقوق الإنسان. لكن المؤكد، في سياق ما قاله أمين السياسات، أن الحزب سوف يتبني نصوصًا ويطرح إجراءات تعبر عن الإيمان العميق والثابت بحقوق الإنسان المختلفة.. وقد قال جمال في هذا الاجتماع.. علي خلفية قضية خالد سعيد: إن الحزب ضد أي إجراء تتخذه أي إدارة حكومية ضد حقوق الإنسان.. وأن القانون يأخذ مجراه في أي انتهاك.. وأن العدالة تأخذ مجراها في قضية خالد سعيد. إن برنامجًا ينص علي هذين التوجيهين دون غيرهما، بمزيد من الاتساع والترسيخ، إنما سيكون معبرًا عن مزيد من التقدم نحو الإصلاح في مجالات مختلفة، وتحقيق مطالب عامة، حتي لو كان هذا ليس بجديد علي توجهات الحزب، ولكن هذا لن يكون وحده كافيا لإرضاء الناخبين وتلبية احتياجاتهم.. علي أهميته. ونكمل غدًا.. أقرأ ايضاً شئون سياسية ص5 [email protected] www.abkamal.net