مسكين المواطن المصري، يخرج من كمين ويعتقد أنه نجا منه فيقع في آخر فتستنزف قوته (إذا كانت لديه قوة) وأمواله (إذا كان لديه أصلاً) وعقله (إذا ما بقي منه شيء) في السعي إلي الخروج سالماً من الكمين الجديد وما إن يفلت منه منهاراً أو ببعض الضرر يتجه إلي حيث الكمين الجديد. وهكذا يكتشف في نهاية حياته أنها كانت سلسلة من الكمائن. منذ ولادته يجد أهله صعوبات في قيده كمواطن واستخراج شهادة ميلاده بسبب الروتين أو طلب "المعلوم" وحتي وفاته، لا يختلف الأمر كثيراً، التعقيدات نفسها وكثيراً ما يصاحب موته خراب دياره (ضرائب أيلولة وإعلام وراثة ومجلس حسبي وغيره). وما بين حياته وموته يناضل كي يحيا ويعيش وفي سبيل ذلك يجد نفسه من أزمة إلي أخري، ومن كمين إلي آخر، ولأن شر البلية ما يضحك فإن الشعب المصري يضحك كثيراً لأن بلاويه متعددة ومتنوعة ومتفرعة وحتي أبسط الأشياء التي لا علاقة له بها كأزمة مالية عالمية أو محلية مثلاً أو حروب دولية أو إقليمية أو كوارث طبيعية أو صناعية يجد المواطن المصري نفسه وقد دخل في أتون أزمة تؤثر عليه دون أن يرتكب جُرماً أو خطأً. لن أخوض في تفاصيل ما عاناه ويعانيه وسيعانيه المواطن في مصر فالكل يعيش الأكمنة نفسها وإذا كان هناك بعض الاستثناءات لهؤلاء الذين لا يعانون أو هكذا يعتقدون فإننا علي يقين بأن ليس كل أبناء مصر فاسدين أو لصوصاً أو خلطوا الحلال بالحرام أو ماتت ضمائرهم أو تاجروا بالدين أو مارسوا الخداع أو الكذب والخيانة أو ربوا أبناءهم من السّحت أو فضلوا الجهل علي العلم والظلام علي النور والذل علي الكرامة. فغالبية هذا الشعب يعانون حفاظهم علي كرامتهم وحرصهم علي الحلال دون الحرام ويأسهم من انصلاح الأحوال وصحوة ضمائرهم التي لا تموت. أما الكمين الجديد الذي سيدخله غالبية المصريين وقريباً فيتعلق بأنبوبة البوتاجاز !!. تصوروا أن بلداً في القرن الواحد والعشرين يخترع فيه كل فترة نظام لعلاج أزمة تتعلق بتوزيع الوقود!! كتبت من قبل عن أزمة الأنابيب حين كان الناس يقفون طوابير ساعات وأياماً ليؤمنوا لأنفسهم وسيلة إشعال النار في بيوتهم ليطهوا طعامهم الذي هو في الغالب بسيط، فتنكوي أجسادهم بنار الشمس دون أن ينالوا إلا إهدار الكرامة. قرأت أول أمس تحقيقاً صحفيا مميزاً في الصفحة الأولي في "روزاليوسف" للزميل محمد سويد حول نظام الكوبونات الذي سيعتمد لتوزيع أنابيب البوتاجاز، جاء التحقيق بعنوان: "كيف ستعيش أسرة بأنبوبة واحدة في شهر؟" وكما نقول دائماً فإن "الجواب يقرأ من عنوانه" فالحكومة شكلت لجنة عليا وليست سفلي بالطبع مهمتها "إعادة هيكلة دعم الأنابيب"!! بدأت اللجنة خطوات للعمل بنظام الكوبونات لتوزيع حصص الأنابيب، يفهم من ذلك بالطبع أننا منذ اختراع أنابيب البوتاجاز لا نعرف كيف يتم هيكلة دعمه!! وسينفذ المشروع بعد شهر رمضان المبارك المقبل تفادياً لحدوث أزمة في أثناء الشهر الكريم، ما يشير إلي أن السادة أعضاء لجنة "الهيكلة البوتاجازية" علي علم بأن جهودهم ستفضي في النهاية إلي حدوث أزمة، رغم أن مهمتهم الأساسية هي علاج الأزمة!! وجاء في التحقيق المثير "أن اللجنة العليا رأت أن البعض يمتلك بوتاجاز 5 شعلة وفرناً للطهي وأكثر من سخان بينما يقتصر استهلاك الفقراء علي أنبوبة فقط!!" ما هذا التهريج؟ وأنه سيتم "طرح كميات إضافية لم تحدد بعد من الأنابيب بسعر آخر يتراوح من 20 إلي 30 جنيهاً بعد دراسة احتياجات السوق، ويا خفي الألطاف نجِّنا مما نخاف. لا يحتاج الأمر هنا إلي عبارات ساخرة أو "التريقة" علي جهود السادة أعضاء اللجنة أو النتيجة التي انتهوا إليها أو أن يتصور بعضنا أنهم سيخترعون الذرة أو أنهم يعيدون اختراع العجلة من جديد، فالأمر بكل بساطة أن اللجنة العليا للأنابيب ستنتهي إلي اختراع كمين جديد للمواطن المصري وعليه أن يستعد للدخول فيه ثم الخروج منه ليواجه الكمين "اللي بعده".. كل التحية إلي اللجنة البوتاجازية علي جهود أعضائها الذين يستحقون بكل تأكيد جائزة "التهريج الهيكلية"!!.