بعد عشرين عاما هناك منْ يطعن بالوحدة اليمنية بدل الاعتراف بأنها كانت ولا تزال الطريق الأقصر والأكثر سلامة والأقل كلفة لحماية اليمن واليمنيين في مواجهة التحديات الكثيرة التي يتعرضون لها والتي تهددهم جميعا من دون استثناء. لا يعني هذا الكلام في اي شكل غياب الحاجة الي اصلاحات في العمق تصحح ما اعترض طريق الوحدة من عثرات بعيدا عن أي نوع من العقد. لكنه يعني انه يفترض البحث في المرحلة الحاليه بالذات في العمل علي تطوير الوحدة بدل الطعن بها، بما يحمي مصلحة كل يمني من أقصي الشمال الي أقصي الجنوب. ولكن، كيف يكون البحث في تطوير الوحدة؟ الجواب بكل بساطة انه لا بديل عن الحوار الذي لا يستبعد اي طرف من الأطراف اليمنية، خصوصا تلك المعنية بإيجاد صيغة متطورة للعيش المشترك في ظل دولة القانون، صيغة يرتاح اليها الجميع وتبعد شبح الشعور بطغيان أي فريق علي فريق آخر. النظام الذي كان قائما فيما كان يسمي اليمن الجنوبي انتهي في المرحلة التي سبقت الوحدة. وذلك عائد الي سببين علي الأقل. الأول : ان تاريخ اليمن الجنوبي منذ الاستقلال في العام 1967 كان سلسلة من الحروب الأهلية انتهت بأحداث الثالث عشر من يناير 1986 حين انهار النظام عمليا ولم يعد لدي اهله من خيارات غير الهرب الي الوحدة. كانت الوحدة بمثابة نهاية رسمية للنظام في الجنوب، لكنها شكلت خشبة الخلاص لاهل النظام علي حساب شخص اسمه علي ناصر محمد دفع غاليا ثمن اندفاعه الي الوحدة وسعيه الي ادخال بعض العقلانية علي تصرفات مجموعة من الهواة كانوا يمثلون في الثمانينيات من القرن الماضي جناحا متهورا في الحزب الاشتراكي الحاكم. بقي علي ناصر خارج الوحدة في العام 1990 علي الرغم من كل التضحيات التي قدمها من اجل تحقيق هذا الإنجاز الذي وفّر علي اليمنيين الكثير من الدماء والحروب الداخلية. لا شك ان علي ناصر ارتكب، عندما كان في السلطة، أخطاء وانغمس في دورة العنف، بل كان شريكا فيها، لكن الواقع يفرض الاعتراف بأن النظام في الجنوب فقد مبررات وجوده في العام 1986 نتيجة الحرب التي اندلعت بين "القبائل الماركسية". اما السبب الآخر الذي انهي النظام في الجنوب فهو يتمثل في انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان يعتبر اليمن الجنوبي موطئ قدم له في شبه الجزيرة العربية. انهار اليمن الجنوبي مع انهيار الأتحاد السوفيتي. اين يقف اليمن في الذكري العشرين للوحدة؟ الجواب انه يقف عند مفترق طرق. هناك مشاكل كثيرة تواجه البلد في طليعتها الوضع الاقتصادي والنمو السكاني الذي اتخذ منحي مخيفا. ولا شك ان وجود مشكلة كبيرة في الشمال مع الحوثيين تفرض الدعوة الي الحوار كي يتفرغ الجميع الي استيعاب الوضع في صعدة والمحافظات المحيطة بها كالجوف وعمران وحجة. المطلوب تنازلات من الجميع ولكن تحت سقف الوحدة. كانت هناك ظروف معينة في العام 1990 ادت الي الوحدة. هناك ظروف مختلفة في العام 2010 تفرض اصلاحات في العمق كي يتفرغ اليمن الي معالجة الوضع الاقتصادي من جهة واستيعاب الظاهرة الحوثية من جهة اخري. تلك التي تمثل خطرا علي الجميع ايضا، خصوصا انها تثير النعرات المذهبية التي لم يعرفها اليمن يوما. بعد عشرين عاما علي الوحدة اليمنية، لا مفرّ من الاعتراف بأن اخطاء كثيرة ارتكبتها كل الاطراف. ولكن ما لا بدّ من الاعتراف به ايضا ان الرئيس علي عبدالله صالح رجل حوار ولم يغلق يوما ابواب الحوار وانه سعي في العام 1994، وحتي اللحظة الأخيرة، الي تفادي اللجوء الي السلاح ووافق حتي علي توقيع "وثيقة العهد والاتفاق" في عمان، برعاية الملك الحسين رحمه الله، علي الرغم من ان الحزب الاشتراكي وحلفاءه كانوا من صاغها.