لا خيار آخر أمام اليمن واليمنيين سوي الانتصار علي التمرد الحوثي... هذا في حال كانوا يريدون تفادي الصوملة. لا خيار آخر أمامهم لسبب في غاية البساطة عائد إلي أن هذا التمرد المستمر منذ العام 2004 والذي أخذ بعدا إقليميا يمثل تحديا للدولة اليمنية ومؤسساتها وللتجربة الديمقراطية التي لا تزال تحبو في هذا البلد الفقير بموارده والغني بتراثه وحضارته القديمة. ما يعكس خطورة التحدي الذي يواجه اليمن إنه للمرة الأولي منذ قيام النظام الجمهوري في العام 1962 هناك خطر يهدد المجتمع المدني القائم علي نبذ أي نوع من أنواع التعصب والتزمت. هناك محاولة لفصل جزء من اليمن عن اليمن وإقامة مستعمرة إيرانية فيه. بكلام أوضح هناك محاولة استغلال للمذهب الشيعي الإثني عشري الذي لا وجود له في اليمن أصلا، حيث المذهبان الأساسيان السائدان تاريخيا هما الزيدي والشافعي. يوظف الحوثيون والذين يقفون خلفهم الدين في خدمة أهداف سياسية. لم تعد هذه الأهداف خافية علي أحد. بالطبع، لا يستطيع المرء الاعتراض علي نشر مذهب معين ولا يحق له أصلا الاعتراض علي ذلك لولا أن ما يحصل في اليمن يسيء إلي الوحدة الوطنية ويدخل البلد في تجربة أقلّ ما يمكن قوله إنه في غني عنها...اليمن الذي ينتشر فيه السلاح في غني عن ظهور الغرائز المذهبية والطائفية والمناطقية من أي نوع كانت! لعل أخطر ما في الظاهرة الحوثية أنها دعوة إلي إثارة الغرائز المذهبية في بلد لم يعرف مثل هذا النوع من الانقسامات. لا تكمن خطورة الظاهرة الحوثية في أنها تشجع علي الصوملة فحسب، بل أنها ترشح اليمن أيضا إلي أن يكون عراقا آخر. من دون القضاء علي هذه الظاهرة، لن يكون في الإمكان البحث جديا في مرحلة لاحقة عن حلول حقيقية للمشاكل التي يعاني منها البلد. إنها مشاكل كبيرة وعميقة جدا لا مفر من التصدي لها، أكان ذلك في الجنوب أو الشمال أو الوسط، أكانت من النوع السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي. هذه المشاكل ستتضاعف خطورتها مرات عدة في غياب النجاح في استئصال الظاهرة الحوثية بأي طريقة من الطرق وبأي وسيلة من الوسائل. الأكيد أن التعاطي مع الحوثيين عن طريق الحوار يظل الوسيلة الأقل كلفة علي الجميع. ولكن هل لا يزال مكان للحوار في ضوء الإصرار علي قلب نظام الحكم وتغيير طبيعته والانتشار في كل الاتجاهات إنطلاقا من صعدة؟ تأخر كثيرا الإعلان الصريح عن تورط إيراني في موضوع التمرد الحوثي في صعدة. أخيرا أعلن الجيش اليمني عن اكتشاف أسلحة من صنع إيراني لدي الحوثيين. مثل هذا الكلام، كان مفترضا أن يصدر عن السياسيين اليمنيين، من كل الأحزاب من دون استثناء، منذ فترة طويلة بدل تفكير المعارضة في كيفية استغلال أحداث محافظتي صعدة وعمران وغيرهما من أجل إضعاف السلطة. لن يستفيد أي يمني من أي ضعف يصيب السلطة في اليمن. هناك مآخذ كثيرة علي السلطة. وهناك أيضا أخطاء كثيرة ارتكبتها السلطة، بما في ذلك تشجيع الحوثيين في البداية وخلق مناخ موات لهم في إطار خلق توازنات محلية لمصلحتها. لكنه تبين مع مرور الوقت، أن الحوثيين ساروا في اتجاه آخر وتحولوا بكل صراحة إلي رأس حربة للنظام الإيراني في هذه المنطقة اليمنية المهمة استراتيجيا وجغرافيا بكل المقاييس. يبدو القرار الذي اتخذته السلطات اليمنية واضحا. لا عودة إلي خلف في المواجهة مع الحوثيين. لكن اللافت أن الرئيس علي عبدالله صالح يتمسك في الوقت ذاته بلغة الحوار. لم يلجأ إلي القوة في ربيع العام 1994 إلا بعدما استنفد كل الوسائل السلمية وذهب حتي إلي عمان في - فبراير من تلك السنة لتوقيع "وثيقة العهد والاتفاق" التي كانت في مصلحة الحزب الاشتراكي الذي تحول في غضون أقل من أربع سنوات من شريك في صنع الوحدة إلي رافض لها جملة وتفصيلا. لا تزال هناك فرصة لوقف الحرب السادسة بين الجيش اليمني والحوثيين. يمكن العودة إلي اتفاق الدوحة الذي أوقف الحرب في مرحلة معينة والبحث في كيفية تطبيقه بعيدا عن اللف والدوران والسعي إلي استغلال النقاط الغامضة التي تضمنها، خصوصا تلك المتعلقة بالانسحاب من مواقع معينة ذات أهمية استراتيجية في جبال صعدة. في النهاية لا يحق لأي قوة الانتشار في الأرض اليمنية باستثناء الجيش اليمني. متي يكون هناك أي تراجع من الجيش أمام مسلحين تابعين لأي جهة، يصبح اليمن مرشحا لأن تكون فيه "جزر أمنية"، علي غرار ما هو حاصل في لبنان... حيث توجد الدولة اللبنانية ودويلة أخري داخل الدولة تسيطر عليها إيران من الناحية العملية. لا تستطيع الدولة اليمنية التراجع أمام الحوثيين الساعين إلي خوض حرب استنزاف هدفها إضعاف الجيش اليمني من جهة وزيادة الضغط علي الاقتصاد من جهة أخري ولذلك، لم يعد الجيش يخوض المعارك مع الحوثيين وحده، بل هناك قبائل يمنية انضمت إليه. من الباكر القول إن الحسم قريب. ولكن مما لا شك فيه أن طبيعة الحرب مع الحوثيين تغيرت بعدما أدركت قبائل يمنية ما هو علي المحك فعلا وبعدما بدأت القوي الاقليمية تستوعب أبعاد إقامة الحوثيين دويلتهم في صعدة والمنطقة المحيطة بها. المسألة مسألة حياة أو موت ليس لليمن وحده، بل لمنطقة الخليج العربي كلها أيضا. ومع ذلك، من الأفضل العودة إلي الحوار والسعي إلي توفير الدماء والضحايا. اليمن ليس في حاجة إلي حروب بمقدار ما أنه في حاجة إلي سياسة تنموية متوازنة تشمل كل البلد وتأخذ في الاعتبار ضرورة إصلاح أي أخطاء يمكن أن تكون حصلت في السنوات الأخيرة...