هناك فائدة نوعية استراتيجية من ضرورة أن نطور طريقة تعاملنا مع الأشقاء العرب.. التغيير الذي أطالب به ليس من أجل تطييب الخواطر فحسب.. فنحن في عصر المصالح.. وإنما من أجل منفعة حقيقية متكاملة تعود علينا كما افترض بالخير. حين تظل تقول إنك الأهم.. وإنك الأوحد.. وإنك الأقوي.. وأنه لا يوجد اعتبار للآخرين.. فإن هذا دون أن تنتبه يحملك بأعباء أسطورية قد لا تكون قادرًا علي استيعابها إلي الأبد.. كوننا الشقيق الأكبر.. والأضخم.. لا يعني أن نمارس لغوا طاغيًا ذا طغيان علي الآخرين.. ببساطة هذا يولد الكراهية والأحقاد غير المبررة.. لا سيما أن الشعوب تتغير.. والأجيال العربية الجديدة لديها اعتزازها بنفسها الذي علينا أن نتفهمه. الأخ الأكبر، غير المرحب شفاهة بمشاركة الآخرين، إنما سيترك وحده لتحمل كل المسئوليات.. يقاتل وحده.. ويحارب وحده.. ويواجه المشكلات وحده.. ويكون هو في الصدارة وحده.. هذه الوحدانية في عصر معقد تمثل عبئًا أسطوريًا.. وفي الحكمة الشعبية يقول المثل: الكثرة تغلب الشجاعة.. ولم نعد واقعيًا راغبين في أن نبقي وحدنا في الميدان.. ندافع عن أمتنا العربية في كل معاركها دون مشاركة من أحد. أن نتقبل وجود الأشقاء.. وأن نرتضي نضجهم.. وأن ندخر التكبر.. وأن نوفر التعالي.. وأن نفتح الساحة لهم.. لكي يكونوا موجودين.. فإن هذا يعفينا من أن نكون نحن فقط المنوط بنا أن نفعل كل شيء.. دورنا تحميه الأفعال لا الأقوال.. ومكانتنا تصونها المقومات البنائية الموضوعية والتاريخية.. وليس التنابذ الإعلامي.. وتقدمنا التاريخي لا يمكن أن تمحوه حقبة أو خطوة مغامرة يقوم بها هذا الشقيق أو غيره. إن ما نمارسه بالقول في الكتابات والتناولات التليفزيونية من تعال وتغطرس شفوي يجعلنا نعيش في بيئة لا ترحب بنا.. مهما اعتبر الأشقاء لأخوتنا.. ومن المدهش أن السياسة المصرية الرسمية تستوعب هذا وتمارسه.. وتفتح الأفق للتفاهم مع الإخوة.. وتتعامل مع الدول العربية بمنطق الشراكة لا التبعية.. لكن النخبة المثقفة لم تزل بينها وبين هذا فجوة.. وتعتقد أن علي الآخرين أن ينصتوا ويسمعوا وينفذوا دون نقاش. مثلاً: تداخل بعض الإخوة العرب في الملف الفلسطيني.. عقد البعض مصالحات.. وعرض البعض إغواءات.. ووضع البعض معوقات وعثرات.. فهل هذا قضي علي الدور المصري؟ أبدًا.. وإنما مررت السياسة المصرية كل هذا.. وانتظرت.. وكان أن أدرك الجميع بمضي الوقت أنه لا يوجد طرف عربي قادر علي التعامل مع الأمر إلا مصر.. لا الحلفان علي المصاحف ينهي مشكلة.. ولا الرشاوي المالية تصلح أوضاعًا.. ولا يمكن لأي من الدول العربية أن تستوعب تعقيدات العلاقات الفلسطينية بقدر مصر.. ومن ثم دارت الدائرة وعادت إلي حجرنا.. وهي لم تكن قد غادرته.. لماذا؟ هل لأننا نتغني بذلك؟ لا بالطبع.. وإنما لأن لدينا مقومات جوهرية تقود إلي ذلك. الدول العربية كيانات لها سيادة ولها قوانين.. يجب أن نحترمها.. كل منها لها ظروفها المعقدة.. لا توجد دولة عربية ليست لها تركيبة معقدة جدًا.. وأنا أعي ما أقول.. وعلينا أن نتفهم تلك التعقيدات.. ومن ثم لأن لدينا مصالح.. فإننا يجب أن ندرس تلك التعقيدات ونتفاعل معها من أجل حماية المصالح.. تراكم المصالح يؤدي إلي تحقيق المنافع.. وتلبية المنافع ينتج فوائد تحقق إضافات إلي المكانة التي لا يمحوها الوقت. انظر إلي الخريطة ودلني علي دولة عربية ليست لها خصوصيتها وثقافتها وتعقيدات علاقاتها الداخلية والخارجية.. لن تجد.. والكبير هو الذي يمتلك القدرة علي فهم كل هذا.. ونحن نتكلم كثيرًا في شئون العرب بينما نخبتنا عمليًا لا تعرف العرب.. أو لا تريد. وأنا أندهش جدًا، مثلاً، من أولئك الذين يصرخون في مصر بشأن نظام الكفيل في الخليج، هذا كلام لا أعتقد أنه مفيد.. حتي لو كنت أرفض هذا النظام من ناحية حقوق الإنسان.. ولكن من قال إن دور مصر هو أن تسعي إلي تغيير اعتماد الدول الشقيقة علي هذا النظام في بناء علاقاتها الداخلية.. ومن قال إن دور النخبة المصرية هو انتقاد هذا النظام وتشويه سمعته؟ هم أحرار.. ليس علينا أن نتدخل في ذلك.. لأنه ببساطة ليس عليهم أن يتدخلوا في طريقة تسيير أعمالنا وأوضاعنا. وإذا كنا قد حققنا الكثير جدًا من إرسال عمالتنا وعقولنا إلي دول الخليج وفق هذا النظام.. ما الذي يدعونا الآن إلي أن نكون نحن الذين ننتقد هذا النظام؟ أليس هذا نوعًا من الترف غير المفهوم وغير المبرر؟ ونواصل غدًا
الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]