رأيتها أمس وهي تمسك بالنسخ الأولي من كتابها الجديد "بشر تحت الطلب ثورة الجينات"، الصادر عن دار أخبار اليوم، أمسكت قلما وكتبت إهداء رقيقا، وطلبت مني بكل ود قراءته.. وقالت: "رغم أنه موضوع علمي لكنه يستحق القراءة". هكذا بدأت حكايتي مع كتاب الصديقة العزيزة الصحفية المتميزة حنان أبو الضياء، لكن ما لم تعرفه أنني من المغرمين بقراءة الكتب العلمية، لا أعرف من أين أتي هذا الميل رغم دراستي واهتماماتي الأدبية.. والسياسية، لكن ثورة الجينات خاصة موضوع يستهويني جدا، وإن كنت أجد صعوبة كبيرة في فهم ما يكتب عنه، لأن معظم الكتابات في هذا الموضوع علمية صعبة مليئة بالمصطلحات الجامدة، وأحيانا تعتمد علي ترجمة، تجعل النص جامدا. بين دفتي كتاب حنان أبو الضياء، تتحول العلوم إلي موضوع شيق وممتع، ودون مبالغة فهذه هي المرة الأولي منذ زمن طويل التي أقرأ فيها كتابا علميا مكتوباً بأسلوب بسيط وسلس وشيق، يكاد يذكرني بأسلوب الراحل راجي عنايات. وفي الكتاب الجديد تبشرنا حنان أبو الضياء بأن الإنسان لم يعد لديه ما يخفيه، فثورة الجينات ترسم لأول مرة خريطة بشرية للإنسانية بشكل عام، وللإنسان بشكل خاص، وبموجب هذه الثورة العلمية يتحول كل إنسان إلي خريطة واضحة التضاريس، تكشف ماضيه، وتقودنا إلي مستقبله. يعني بمنتهي البساطة، الخريطة الجينية لك تكشف الكثير من حياتك الصحية والنفسية في الماضي والمستقبل ، تحدد الأمراض العضوية وحتي النفسية التي يمكن أن تصيبك، لكن الأهم أنه يمكن التدخل لمنع الإصابة بتلك الأمراض، مما يعني أن الخريطة الجينية يمكنها تحقيق حلم البشرية في حياة بدون مرض! فعلي سبيل المثال يقوم الجين P53 كما تقول حنان أبو الضياء بقمع الأورام السرطانية، فأي شخص يرث نسختين من هذا الجين من الأبوين، أما إذا ورث نسخة واحدة من أحد الأبوين أو ورث نسختين إحداهما مشوهة فإنه يكون عرضة للإصابة بالسرطان. ومن الأمور المثيرة في الكتاب اكتشاف الجين المسئول عن مشاعر الخوف لدي الإنسان، وهناك جين آخر مسئول عن القلق، وربما يؤدي إلي اكتئاب ما بعد الولادة، وجين مسئول عن البدانة، وربما يكون هذا أهم اكتشاف يهم النساء لكنه سيؤدي إلي خراب بيوت الأطباء العاملين الذين يربحون الملايين من إنقاص السمنة أو شفط الدهون. ورغم أن هذا المشروع أو الثورة الجينية لم تكتمل بعد، ولا يزال أمامها طريق طويل، لكن كل المؤشرات تشير إلي أن حركة العلم في هذا المجال تسير بسرعة الصاروخ، وما كان مجرد خيال علمي قبل عشرين أو ثلاثين عاما تحول إلي واقع، وإلي ثورة سواء عبر الجينات البشرية أو الحيوانية أو حتي النباتية. وربما يأتي اليوم الذي يدخل فيه الأطباء عيادة الطبيب للإتفاق علي نوع المولود الذي يرغبون في إنجابه، ويحددون طبيعة شعره، ولون بشرته وعينيه، وطوله، ووزنه واهتماماته المستقبلية وتجهيزه من قبل التخصيب للوظيفة أو المهنة التي سيعمل بها والفتاة التي سيحبها ويتزوجها.. وكل ذلك جميل جدا من منظور العلم.. لكن ساعتها سيتحول البشر إلي ما يشبه الآلات، وقد تختفي المشاعر الحقيقية التي تميز البشرية عن غيرها من المخلوقات. كتاب حنان أبو الضياء لا يكشف فقط الثورة الجينية، لكنه في حد ذاته ثورة في الكتابة العلمية، فهو بسيط بقدر بساطة حنان، ولا يختلف كثيرا في صياغته عن الطريقة التي تتحدث بها صاحبته في الحياة العادية.. وهذا أهم ما يميز من يتصدي للكتابة.. أن يكون نفسه دائما.. وحنان الصحفية والكاتبة هي نفسها حنان الإنسانة، بجيناتها الطبيعية دون الحاجة إلي ثورة الجينوم!