ترجمة - مي فهيم (نقلا عن موقع سترانفورد) في الثالث عشر من فبراير قامت مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) وجنود الجيش الوطني الأفغاني بشن هجوم علي مدينة مرجة في اقليم هلمند، وحتي هذا الهجوم الأخير كانت جهود الولاياتالمتحدة وقوات الناتو في أفغانستان تخضع لاعتبارات أخري؛ أهمها العراق. تري القوات الغربية الصراع المحتدم في أفغانستان باعتباره ملاحقة لأهداف اقتناص الفرصة، ولكن الوضع الآن بات مختلفا بعض الشيء فباتت القوات مدججة بمزيد من السلاح وبدأ تفعيل الاستراتيجة الجديدة وبدأت بالفعل الحرب الحقيقية مع الهجوم الأخير الذي أطلق عليه "مشترك" وهو الأكبر من نوعه في التاريخ لتحالف للقوات الأمريكية والناتو والقوات الأفغانية. دخلت القوات الأمريكيةأفغانستان في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر في تلك الأيام التي كان يغلفها الخوف والغضب، وتحددت الأهداف الأمريكية بأن القاعدة قامت بالهجوم علي أمريكا لذا باتت هناك ضرورة لتدمير تنظيم القاعدة الذي يتخذ من أفغانستان مقرا له وكانت وقتها حركة طالبان هي القوي الحاكمة الفعلية في أفغانستان. من جانبها قامت الولاياتالمتحدة بشن هجوم علي أفغانستان بحلول نهاية العام وانتقل تنظيم القاعدة إلي باكستان وهو ما أدي إلي تشتت الاهتمام الأمريكي بين ملاحقة أفراد تنظيم القاعدة تارة وبين الاشتباك مع طالبان للسيطرة علي أفغانستان تارة أخري. ومنذ الأيام الأولي لهجمات سبتمبر وضع البيت الأبيض العراق وحركة طالبان أمام نصب عينيه، ولكن مع مرور السنوات ظهر العديد من القضايا الاخري علي السطح وتحول التركيز الدبلوماسي والعسكري الأمريكي تجاه عودة روسيا وإيران وبرنامجها النووي وهو ما تطلب المزيد من الاهتمام الأمريكي وأبقت الولاياتالمتحدةالأمريكية علي قواتها في أفغانستان وهذا هو الحال الذي كانت عليه الأوضاع لمدة ثماني سنوات أو أقل.. لكن الأوضاع شهدت تغيرا عقب سلسلة الهجمات التي شنت في الآونة الأخيرة علي "المرجة". والسؤال هو لماذا مرجة؟ الإجابة تكمن في جغرافية المكان في أفغانستان وطبيعة الصراع نفسه فمعظم الأماكن في أفغانستان ملائمة لحرب العصابات، لأن معظم أفغانستان جبال وهو ما يجعلها ملاذا للميليشيات ولكنها تعد مهمة معقدة بالنسبة لأي من القوات الأجنبية العسكري، كما أن الجفاف الذي يعم البلاد يجعلها غير مكتظة بالسكان إذ إن أفغانستان تفتقر إلي الأنهار والمواني الصالحة للملاحة وهو ما يقلل من احتمال تطوير التجارة فالموارد الضئيلة غير كافية لتمويل الحكومة أو الجيش وبالتالي فهي تعد تربة خصبة لتشجع تهريب كافة المنتجات والبضائع بل ويمثل التهريب التمويل اللازم لحرب العصابات. لهذا يعتبر القضاء علي المتمردين في هذه المنطقة مهمة سهلة ولكنها تتطلب ثلاثة أمور: أولا أعداد هائلة حتي تتمكن القوات من تحديد المناطق التي يسهل علي المتمردين التحرك من خلالها وثانيا:دعم السكان المحليين لحصر الأماكن التي يمكن ان يختبأ بها المتمردون وثالثا:الذكاء الحاد لتوجيه دفة القتال ضد المتمردين بدلا من حدوث العكس. لكن قوات حرب العصابات بطبيعة الحال يغلب عليها عدم النظام فقدرتها علي التنظيم وتوجيه ضربات تكاد تكون محدودة بينما بمقدورها تحويل منطقة إلي مستنقع ولكنها لديها صعوبة بالغة في تولي زمام الأمور في منطقة ما وخاصة منطقة اختارتها القوات النظامية للنزاع. وتعد القوات النظامية هي القوات التي تتلقي أفضل تمويل وتدريب وتسليح وتنظيم ولهذا دائما تسحق القوات غير النظامية. ويعتمد التكتيك الذي تتبعه قوات حرب العصابات علي تضييق الخناق علي قوات الاحتلال حتي تجبرهم علي الخروج من البلاد والعودة إلي أوطانهم. ويعد عامل الوقت دوما في صالح قوات حرب العصابات إذا كانت القوات النظامية غير محلية، كما أن قوات العصابات لا تستقر في مواقع علي عكس القوات النظامية بالإضافة إلي أن قوات حرب العصابات دائما بحاجة الي موارد وأموال وأفراد وأسلحة حتي تستطيع المضي قدما في طريقها ومواصلة العمل. وتعد منطقة المرجة هي خير مثال علي ذلك ؛فهي منطقة تبدي تعاطفها مع حركة طالبان ويعد اقليم هلمند هو جزء من معقل طالبان، كما تقع منطقة المرجة بالقرب من محافظة قندهار التي تعتبر محل ميلاد حركة طالبان ونظرا لوجود القوات الأمريكية فهي بمثابة هدف ممتاز. وفضلا عن ذلك فإن إقليم هلمند وحده ينتج أكبر قدر من الهيروين علي وجه الكرة الأرضية ومنطقة المرجة هي مركز هذه التجارة لذا فهي تقدم لطالبان دخل شهري يصل إلي 200 ألف دولار. الاستراتيجية الأمريكية: علي الرغم من أهمية المرجة بالنسبة لطالبان إلا أن القوات الدولية (إيساف) لم تشتبك مع طالبان في كل مكان، ولكن بدأت الأولويات الأمريكية تتغير علي مدار العامين الماضيين؛ فزيادة عدد القوات في العراق كان له تأثير علي تغير موقف اللاعب الرئيسي في المنطقة. وساهمت هذه التغيرات في إعادة تشكيل الصراع في العراق وهو ما مهد الطريق لحالة الاستقرار التي تشهدها حاليا والعمل علي الانسحاب الأمريكي وفي تلك الأثناء بدأت شوكة طالبان تزداد قوة ومنذ ذلك الحين قررت الإدارة الأمريكية للرئيس أوباما ومن قبله الرئيس بوش اتباع الاستراتيجية نفسها في أفغانستان وهي الاستراتيجية التي تركز بشكل كبير علي تغير في البلد نفسه أكثر من التركيز علي النجاح في ساحة القتال. ويعد الهدف الأول للاستراتيجية الأمريكية هو العمل علي حرمان طالبان من بسط نفوذها علي المجتمعات الزراعية مثل المرجة والمراكز الرئيسية لكثافة السكان ووادي نهر هلمند ومناطق أخري علي هذا النحو في أماكن متفرقة من البلاد. ولا تملك حركة طالبان في أجزاء عديدة في أفغانستان نفوذا فقط بل وتعد الخيار الوحيد للحكم والسلطة المحلية. لهذا فان تدمير كل ما هو في جوهره جزء من النسيج الثقافي والسياسي ليس هدفا أمريكيا، لكن الهدف هو السعي لمنع تصاعد عمليات طالبان. ويجب أن نتذكر أن المساعي الأمريكية لا ترغب في تهدئه الأوضاع في أفغانستان فالأمريكيون لديهم الرغبة في الانسحاب من أفغانستان بطريقة لا تمثل مشكلات كبري للولايات المتحدة. وتجدر الإشارة إلي أن النجاح في تحقيق الهدف الأول سيمهد الطريق للمضي قدما في تحقيق الهدف الثاني. ويعد الهدف الثاني للعملية هو إقامة سلطة محلية يمكنها أن تقف في وجه طالبان علي المدي الطويل، فالهدف وراء زيادة القوات في أفغانستان ليس لمحاربة طالبان الآن ولكن لحفظ الأمن في البلاد وحماية سكانها وتدريب قوات الآمن الأفغانية لمقاتلة طالبان لاحقا ومن اجل هذا يجب أن تكون القدرات العسكرية لطالبان ضعيفة لكي تكون غير قادرة علي شن هجمات منسقة واسعة النطاق، كما يعد الاستيلاء علي المراكز الكثافة السكانية علي طول وادي نهر هلمند هو الخطوة الأولي علي طريق استراتيجية تستهدف خلق متنفس ضروري لخلق قوي بديلة وهذه القوي البديلة ستمد أفغانستان ببديل لحركة طالبان ولكنها مهمة ليست بالهينة لذا اتجه الأمريكيون إلي إجراء بعض المحادثات مع بعض الفصائل في طالبان أملا في إقناع بعض المقاتلين بالعدول عن مقاتلة الامريكيين (لتحقيق الهدف الأول) وربما محاولة إقناعهم بالانضمام الي الحكومة الأفغانية الوليدة (لتحقيق الهدف الثاني). وهذا لا يمثل فصل القول في الحرب ولكنه جزء من تطبيق الاستراتيجية الجديدة التي بالطبع تأخذ في اعتبارها الطبيعة الجغرافية لأفغانستان وكل نقاط الضعف والتحديات التي تفرضها الأوضاع الجغرافية. ولا نقول أن هذه الاستراتيجية ستؤتي ثمارها فأفغانستان تشهد حالة من الفوضي والفساد علي يد مواطنيها الذين اختاروا التحرك بشكل محلي وقبائلي وليس وطنيا لذا فسيكون لحرب العصابات دائما الغلبة في هذا المكان.ولم يقم أحد من قبل بمحاولة العمل علي إعادة الهيكلة الوطنية في أفغانستان والآن يسعي الأمريكيون من جانبهم للقيام بهذا الدور في فترة زمنية قصيرة وبميزانية صغيرة. وهناك الكثير من الشكوك حول إمكانية قيام الحكومة في منطقة المرجة بدور فعال لبناء سلطة مدنية في بلد تحكمها طالبان طيلة العقد الماضي تقريبا، ولكن تقييم هذه الجهود من المستحيل تقديره الآن حتي يترك شأن الأفغانيين لأنفسهم.