تناولت في المقالة الأخيرة حق المواطنة ومبدأ حظر التمييز وفي هذه المقالة أتناول الحق التالي لهذا المبدأ والمرتبط به ارتباطًا وثيقًا لا يقبل التجزئة (حق الإنصاف) وقد جاء النص عليه في الفقرة الثانية من المادة الثانية من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي أوجبت إتاحة سبل التظلم والانتصاف الفعلي للمواطنين والمقصود بهذا الحق ليس إتاحة فرصة اللجوء للقضاء وحق الشكوي مكفول للمواطنين نظريًا وعمليًا هو متاح للقادرين فقط بل يجب أن يكون وصول المواطن إليه سهلاً وميسورًا وأن تكون الأحكام والقرارات الصادرة من المحاكم ومن غيرها من الجهات قابلة للتنفيذ الفعلي ولا يجوز وضع عراقيل أو أي معوقات مادية أو قانونية تحول بين المواطنين وبين اقتضاء حقوقهم الصادر بها الأحكام أو القرارات كما يجب أن يكون التنفيذ سريعًا وناجزًا لأن العدالة البطيئة هي الظلم بعينه وقد أطلقت المحكمة الدستورية في مصر علي هذا الحق تعبير (الترضية القضائية). ومن خلال واقعة حقيقية مازالت أحداثها مستمرة حتي الآن أحاول تبسيط معني هذا المصطلح الهام. دخل مواطن مكتب محام وهو مصاب بحالة هلع صارخًا رفعوا علي قضية وأخذوا حكماً بإعلانات أمريكاني (وهو تعبير يطلق علي إعلانات القضايا التي تتم بطريق الغش والتدليس) ويستكمل المواطن حديثه دلوقتي هيطردوني من محلي مصدر رزقي وهيشردوا أولادي وأخذ المحامي يهدئ من روع المواطن وأن محكمة الاستئناف ستلغي الحكم بمجرد أن تكتشف هذا الغش والتدليس وأن هناك قضاء مستقرا في إشكالات هذه الأحكام لأن هذه الأحكام لم تصدر ابتداء مشمولة بالنفاذ المعجل إنما يجري تنفيذها بموجب صيغة تنفيذية وضعها موظف المحكمة بعد أن أدخل عليه الغير الغش والتدليس في إعلان الحكم ولكن قاضي الإشكال حكم ضد المواطن وتم تنفيذ الحكم ضده فعليا في خلال 48 ساعة من صدور حكم الإشكال وبعد عدة شهور صدر حكم محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم وبطلانه وهلل المواطن فرحًا مرددًا لقد نصفني الله والقضاء وسأل محاميه ماذا بعد ذلك فرد عيه سيتم تنفيذ هذا الحكم وبإعادة الحال إلي ما كان عليه وتسترد محلك وذهب فرحا حاملاً الحكم إلي محضرين بولاق أبو العلا وقرروا عرضه علي قاضي التنفيذ الذي أمر بالتنفيذ يوم 2009/12/24 وفي اليوم المحدد ذهب واصطحب المحضر وطلب المحضر التوجه إلي قسم بولاق أبو العلا لاصطحاب قوة من الشرطة للتنفيذ وفوجئ بأن مأمور القسم يرفض لأن الأمر يحتاج لدراسة أمنية ومافيش قوة كافية والأمر لازم يعرض علي المديرية وصرخ المواطن الحكم تم تنفيذه ضدي في 48 ساعة والآن ما هي المدة المطلوبة كي انتظر فرد المأمور أسبوع علي الأقل وتساءل المواطن في دهشة وأمر قاضي التنفيذ مصيره أيه وبسرعة يرد المحضر لا يمكن تنفيذه إلا بالدراسة الأمنية وهمس أحد الأشخاص ويبدو أنه من العالمين ببواطن الأمور باين عليكم مش مظبطين حالكم قبل ما تيجوا فالقسم والقسم يابني مش عايز مشاكل والمأمور أو نائبه يسأل المحضر التنفيذ ده فيه مشاكل فإذا أجاب بالنفي خرجت القوة وإذا نعم دخل التنفيذ ثلاجة الدراسة الأمنية واعتقد المواطن أن ذلك وشاية وتحريضًا علي الفساد والإفساد وهو يقول أنا صاحب حق وذهب بعد أكثر من أسبوع إلي محضرين بولاق ليسأل عن موعد التنفيذ فردت عليه الموظفة المختصة بسخرية يا عم فيه تنفيذات موجودة من شهرين ولسه ماجتش الدراسات الأمنية ولم يصدق المواطن ولكن عندما طال انتظاره أشار عليه محاميه بالشكوي إلي وزير الداخلية وتقدم بالشكوي رقم 156/ع إلي الوزارة في 2010/1/18وانتظر الرد وتابعها من إدارة إلي إدارة حتي استقرت في قسم بولاق أبو العلا وقالوا له الشكوي مصيرها الحفظ ونفس الأمر تقدم بشكوي إلي السيد المستشار وزير العدل في ذات التاريخ ومازالت في العرض مما يدلل أن قنوات الشكوي مسدودة بفعل حفنة من أصحاب المصالح واضطر أخيرًا إلي الشكوي إلي المجلس القومي لحقوق الإنسان. ومرة أخري يدخل مكتب المحامي يصرخ أنا عايز حقي أشكي لمين تاني. أكيد في غيري كتير مظلومين ومعاهم أحكام بحقهم ومش لاقين حد ينصفهم يا بيه القاضي اللي كتب الحكم بتاعي أكيد تعب كتير وسهر الليالي عشان يحكم لي بحقي وييجي موظف يعطله علشان يمكن الخصم من تغيير معالم العين وبعد كده ندخل في دوامة ندب مهندس الحي والشهر العقاري وأنت عارف طريقتهم ده فيه محضرين وناس تانيه بتعطل أحكام قضائية علشان حرامية الأراضي يبنوا عليها عمارة ويضيعوا حق صاحب الأرض يا أستاذ أيه فائدة الحكم من غير تنفيذه الناس اللي بتقوم باحتجاجات وتنام علي الرصيف في عز البرد معذورة لأنها حاسة بالظلم ومش لاقيه حد ينصفها ويعرض قضيتها بشكل أمين وهي مش قادرة تقف قدام ولادها وهي عاجزة ويستكمل فيه ناس يا أستاذ بتمنع وصول أصوات المظلومين لأنها مستفيدة وبتسد عليهم كل الطرق علشان وصول أصواتهم ومطالبهم هيكشف ممارستهم وبلاويهم ولما يصدر القرار تعرقل تنفيذه يبقي فين الإنصاف بهذه العبارة اختتم المواطن الحديث الذي عبر فيه بجلاء عن جوهر حق الإنصاف الفعلي كحق من حقوق الإنسان الأساسية الذي يعتبر لصيقًا بحق المواطنة ولن يتحقق حق الإنصاف فعليا إلا بإزالة كافة المعوقات أمام تنفيذ الأحكام القضائية والقرارات تنفيذًا فعليًا وفتح قنوات الشكوي كوسيلة لإنصاف المواطن ومكافحة كافة أشكال الفساد التي تحاول غلق هذه القنوات والحيلولة بين الأفراد والجماعات للتمتع بهذا الحق حتي نحول بين تحول ثقافة الاحتجاجات إلي ثقافة عنف.