إن الدعوة الإسلامية المعاصرة تمثل إحدي ركائز بل أهم ركائز الأمن القومي في مصر علي وجه الخصوص ولو قلت ركائز الأمن الإقليمي العربي ما تجاوزت الحقيقة وليس معني كون الدعوة الإسلامة أمناً قومياً أن المسئول عنها في تأصيل أصولها واختيار وسائلها ومصادرها هو وزارة الداخلية أو جهاز المخابرات العامة إن المقصود من العنوان هو لفت الأنظار إلي أهمية العودة بالدعوة الإسلامية إلي أصولها الأولي في الصدر الأول للإسلام فعلي قدر استقامة الدولة الإسلامية المعاصرة وضبطها بالضوابط الشرعية - ومراعاة الزمان والمكان والمتغيرات العصرية واعتبار قاعدة درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح والأخذ في الاعتبار مدي قوة أو ضعف المسلمين - يكون الأمن والاستقرار إن البعض يظن أن تجاهل الخطاب الديني أو تهميشه أو ترويضه أو علمنته يحقق أمناً أو استقراراً وهذا وهم كبير لا ألتفت إلي نوايا أصحابه وإنما أتحدث عن الواقع المشاهد بكل تجرد إحقاقاً للحق وإبطالاً للباطل فلا يمكن بأي حال تجاهل الخطاب الديني المعبر عن الدعوة الإسلامية بكل سلبياته وحسناته فهذا التجاهل يؤدي إلي مزيد من عدم الاستقرار وزعزعة الأمن إن مفهوم تجديد الخطاب الديني المعاصر يتمثل في تنقيته من الخرافة والشعوذة والأحاديث المكذوبة وتنقيته كذلك من العنف والغلو والتكفير وليس تجديد الخطاب الديني هو إلغاء الخطاب الديني كما يحوم حول ذلك البعض أو تفريغ الخطاب الديني من مضمونه الإسلامي فإنني أتفق مع كل من يري انحرافاً في هذا الخطاب المعاصر ولكني أختلف مع الكثير في طريقة تقويم الخطاب الديني فمهما روج البعض من ادعاءات حول نفي بعض المفاهيم الإسلامية أو إلغاء بعض العقائد الإسلامية أو بعض الفرائض والواجبات فلن يفلحوا لأن هناك أصولاً مازالت قائمة في حس العوام والخواص هذه الأصول تتمثل في كتاب الله وفيما صح عن رسول الله من أحاديث ثابتة في مدونات ومراجع أهل الإسلام تمثل حالة اتفاق في عمومها وهذا معلوم عند أدني الناس انشغالاً بالدعوة فمثلاً صحيح الإمام البخاري هو محل اتفاق بين المسلمين قاطبة ومهما صنع بعض المشككين بادعائهم وجود أحاديث مكذوبة أو ضعيفة ضمها صحيح الإمام البخاري أو صحيح الإمام مسلم فلن يفلحوا أبداً إن هذه الدعوات تؤجج نار التطرف وتوسع دائرة التكفير وبالتالي يؤثر ذلك علي أمن واستقرار المجتمع. إن انضباط الدعوة الإسلامية بالأصول الشرعية والأحوال المرعية يخفف من العبء الأمني ويؤدي ذلك إلي الهدوء والاستقرار الاجتماعي كما أن انحراف الخطاب الديني الممثل للدعوة الإسلامية يؤدي إلي خلخلة اجتماعية داخلية وممكن أن يؤدي إلي كوارث تتعدي المجتمع الداخلي وبالمثال يتضح المقال: 1 - الخطاب التكفيري للنظام والدولة والذي يقوده بعض التيارات يؤدي في النهاية ولو بعد حين إلي رغبة في جمع السلاح والحصول عليه لإزالة هذا النظام وفق معتقد التكفير وإن كان الأمن قد استطاع أن يقلم أظفار الجماعات التكفيرية المسلحة إلا أنه لم ولن يستطيع أن يستأصل أظفارهم بالكلية فتقليم الأظافر يتبعه بعد حين إطالتها وهذا واضح من تتبع التاريخ المعاصر حينما ظهر هذا الفكر في أوائل القرن العشرين علي يد حسن البنا ففي سنة 1954 قام الأمن بتقليم أظافر هذا التيار إلا أنه لم يقلم أظفاره الفكرية واعتمد النظام علي السيطرة الأمنية فمرت السنون وفاجأنا هذا التيار بتيار متفرع منه أشد هو التيار القطبي من خلال تنظيم 1965 وللأسف الشديد استمر نفس النهج بالاكتفاء بتقليم الأظافر العسكرية وترك الأظافر الفكرية فظهرت في المجتمع مع بداية السبعينيات وحتي الآن تجديدات لهذا الفكر تتعدي حدود مصر إلي كل البلاد الإسلامية وما ذاك إلا لتجاهل الردع الفكري المبني علي ضوابط شرعية أصيلة مغيبة - عن عمد أو غير عمد عن علم أو عن جهل - عن الساحة الدعوية والساحة الفكرية بصفة عامة. 2- الخطاب الفكري المبني علي اقتحام الشأن العام والسياسات الخارجية بل والعسكرية والولوج فيها باستخدام آيات وأحاديث في غير محلها مما يؤدي إلي كوارث داخلية وخارجية فدعوي الجهاد المسلح ضد يهود أو ضد أمريكا بدون إذن من النظام وبدون توجيه ممن ينوط بهم أمر إعلان الحرب من عدمها يؤدي إلي إحراج الدولة واستعداء الدول الاستعمارية في وقت وظرف لا يساعد علي هذه الحرب. 3- التدخل في شئون دول أوروبية أو أمريكية في معاملاتها مع المسلمين في تلك البلدان يؤدي إلي إحراج الدولة في معاملات بالمثل قد تسبب احتقاناً طائفياً فالخطاب الديني الرشيد ينبغي أن يصرف جل اهتمامه في توعية المسلمين في مصر علي وجه الخصوص ولا يتدخل في شئون دول أخري بدون إذن مسبق من القيادات السياسية التي تدرك مالا يدركه الخطباء والعلماء بالنسبة للشأن الخارجي. 4 - وكلنا يعلم مدي البلبلة التي أحدثها خطاب ديني منحرف حينما أقامت مصر حواجز أمنية علي حدودها مع غزة لضبط العبور من وإلي مصر وكيف حول البعض المسألة إلي ولاء وبراء يترتب عليه تكفير النظام إما بلازم الكلام أو بصريحه. 5 - وكلنا يذكر تدخل الخطاب الديني في أحداث جنوب لبنان وغزة بدون تنسيق أو تفاهم مع أجهزة الدولة المعنية بالخطاب السياسي والمعنية بالخطاب العسكري والأمني وما نجم عن ذلك من احتجاجات ومظاهرات أدت إلي استنفار أمني كان علي حساب أمن المجتمع واقتصادياته واتساع دائرة المسئولية الأمنية. 6 - كما أن الخطاب الديني الصوفي التواكلي والخرافي يؤدي إلي نفس النتائج وإن كان بأسلوب آخر حيث قد رأينا تجمع بعض الطرق الصوفية وشجبها للقرارات الوزارية التي صدرت بشأن الوقاية من وباء الخنازير كما لا يخفي علي أهل البصيرة أثر الخرافة في تنشئة مجتمع يعيش مغيبا عن واقعه ولاغياً عقله ومبتعداً عن صريح التشريع كما لا يخفي علي الباحثين مدي التوافق بين بعض الطرق الصوفية والدولة الشيعية في إيران وما للأخيرة من توجهات طائفية ومذهبية وأطماع في المنطقة العربية فالفكر الصوفي تربة خصبة وبوابة مفتوحة للتشيع في مصر ينبغي إغلاقها وتجفيفها بالحجة والبرهان بالتي هي أحسن. فخلاصة القول: إن محاولة تهميش الخطاب الديني أو تجاهله أو تركه علي حاله إنما هو خطأ فاحش ونتائجه وخيمة وقد يظن البعض أنه لا حاجة للنظام لمثل هذا الخطاب في المعترك السياسي داخليا أو خارجيا والحقيقة غير ذلك حيث إنه يصعب علي أي نظام يريد لنفسه استقراراً وبقاءً وعدلاً وتنمية أن يتجاهل هذا الخطاب بل الحكمة تقتضي رد هذا الخطاب إلي ما كان عليه الصدر الأول في بساطته ووسطيته واعتداله وحكمته وعلمه ورحمته فالآفة أننا لا نبحث في مصادرنا الأولي وبالتالي نعالج مشاكلنا بوسائل غير مجدية وكما عبرت عن ذلك من قبل إن المعالجة الحالية تشبه من أراد أن يطفئ النار فأخطأ صنبور المياه وأخذ صنبور البنزين فزاد النار اشتعالاً كما أتمني أن يعكف بعض المفكرين المتجردين لدراسة تراثنا الأول في الصدر الأول فسيجدون ثروة فقهية تعينهم علي وأد الفتن الفكرية من خلال الشعارات الإسلامية ومن هذا المنبر الإعلامي أدعو إلي ندوات محدودة بمفكرين محدودين للبحث فيما يمكن أخذه من أصول الصدر الأول للإسلام وأنا علي يقين من استفادتهم من ذلك في وضع آلية مقبولة للمشاكل الفكرية الدينية المعاصرة.