أكد الرئيس حسني مبارك، أمس، في كلمته التي ألقاها نيابة عنه د.أحمد نظيف رئيس الوزراء بمناسبة المؤتمر 22 للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية، أن الرسالات جميعها تحمل للإنسان علي مدي التاريخ رسالة أمن وسلام، مشير إلي ضرورة تضافر الجهود من أجل خير الإنسان وأمنه وسعادته، وأكد أنه رغم مؤتمرات الحوار بين الأديان التي تعقد في العديد من بقاع العالم، فإن سوء الفهم والأحكم المسبقة لا تزال تحكم العلاقة بين أتباع الديانات، وكان للإسلام النصيب الأكبر من سوء الفهم السائد في عالم اليوم. وأشاد الرئيس مبارك باختيار المجلس الأعلي للشئون الإسلامية لموضوع المؤتمر "مقاصد الشريع الإسلامية وقضايا العصر"، قائلاً إنه في ظل مناخ التشويش علي الإسلام وتعاليمه وإتهامه بدعم العدوان ونشر العنف، يصبح من الضروري القيام بحهد علمي للكشف عن جوهر الشريعة الإسلامية، وما تشتمل عليه من تعاليم تهدف لترسيخ أسس السلام والاستقرار في المجتمع.. وإلي نص الكلمة. السيدات والسادة ضيوف مصر الأعزاء السيدات والسادة أعضاء المؤتمر السلام عليكم ورحمة اللَّه إنه لمن دواعي سروري أن أحييكم في بلدكم الثاني مصر.. التي يُسعدُها دائمًا أن تستقبلكم كل عام في مثل هذا الموعد للعام الثاني والعشرين علي التوالي.. شاكرين لكم جهودكم المتواصلة للمشاركة في بحث القضايا المصيرية لأمتنا الإسلامية.. بهدف الإسهام في حل مشكلاتها والبحث عن أفضل السبل لتقدمها وازدهارها. الإخوة والأخوات لقد جاءت الرسالات السماوية جميعها تحمل للإنسان علي مدي التاريخ رسالة أمن وسلام.. ومن شأن هذه الرسالات أن تتكامل وتتعاون فيما بينها.. وأن تتضافر جهود علمائها وقادتها من أجل خير الإنسان وأمنه وسعادته.. وقد تخفي هذه الحقيقة علي الكثيرين من أتباع الديانات السماوية وسط الصراعات والنزاعات التي يشهدها عالمنا المعاصر. وعلي الرغم من العديد من مؤتمرات الحوار بين الأديان التي تعقد في كثير من بقاع العالم.. فإن الرسالة التي تحملها هذه المؤتمرات لم تصل إلي قلوب وعقول الجماهير.. وظلت في إطار النخبة حبيسة القاعات المغلقة.. ومن أجل ذلك نجد أن سوء الفهم والأحكام المسبقة لاتزال هي التي تحكم العلاقة بين أتباع الأديان.. وكان للإسلام النصيب الأكبر من سوء الفهم السائد في عالم اليوم.. مما يحتاج إلي جهود مضاعفة من جانب علماء المسلمين.. من أجل تصحيح هذه الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين. وقد أحسن المجلس الأعلي للشئون الإسلامية صنعًا في اختيار موضوع "مقاصد الشريعة الإسلامية وقضايا العصر" ليكون محور البحث في مؤتمره السنوي لهذا العام.. ففي ظل مناخ التشويش علي الإسلام وتعاليمه واتهامه بدعم العدوان ونشر العنف.. يصبح من الضروري القيام بجهد علمي للكشف عن جوهر الشريعة الإسلامية وما تشتمل عليه من تعاليم تهدف إلي ترسيخ أسس السلام والاستقرار في المجتمع.. وتتواكب مع حاجات الإنسان المشروعة ومطالبه الضرورية في حياته المعاصرة.. وترفض كل شكل من أشكال التطرف والتعصب. ويمكن بوجه عام إجمال مقاصد الشريعة الإسلامية في كلمة واحدة تعد عنوانًا علي الإسلام ذاته.. ونعني بذلك قيمة "الرحمة" التي جعلها القرآن الكريم الهدف الأسمي من الرسالة الإسلامية كلها.. وذلك في قوله تعالي لنبيه عليه الصلاة والسلام: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".. وبذلك تكون الرحمة علي رأس منظومة القيم الإسلامية كلها.. وعنوانا علي الإسلام ذاته. ومن هنا اتجه الإسلام في كل أحكامه وتشريعاته إلي تأكيد هذا المقصد الأسمي.. ولذلك نجد أن مفهوم الرحمة من أكثر المفاهيم شيوعًا في القرآن الكريم.. إن لم يكن أكثرها علي الإطلاق.. وقد كان ذلك أمرًا مقصودًا حتي يستقر هذا المفهوم في الأذهان.. ويترسخ في العقول.. ويتجلي في السلوك.. وقد حرصت الشريعة الإسلامية فضلاً عن ذلك علي تأكيد المصلحة الحقيقية للناس في دنياهم وأخراهم.. ومن أجل حماية حقوق الأفراد والجماعات والحفاظ عليها.. كان من الضروري وجود تشريعات ضامنة لذلك. وقد جعل الإسلام من هذه التشريعات الضامنة لمصالح الأفراد والجامعات.. مقاصد أساسية للشريعة الإسلامية تحمي الحقوق المشروعة والضرورية للإنسان في كل زمان ومكان.. وهذه المقاصد الضرورية المنبثقة من المقصد الأسمي وهو الرحمة.. تتلخص كما هو معروف لدي العلماء المتخصصين في الدراسات الإسلامية في خمسة مبادئ أساسية.. وهي حماية النفس والعقل والدين والنسل والمال. والذي يتأمل هذه المقاصد يتبين له أنها تعد أصولاً ثابتة وقواعد راسخة لكل حقوق الإنسان الذي كرمه اللَّه.. وجعله خليفة له في الأرض.. ليعمرها بالخير.. وينشر في ربوعها الأمن والسلام والاستقرار.. كما يتبين له أيضًا أن ما تضمنته المواثيق الدولية لحقوق الإنسان لا يخرج في جوهره عن المقاصد المشار إليها.. ولا جدال في أن قضايا حقوق الإنسان قد أصبحت اليوم من أكثر القضايا المثارة علي الساحة الدولية.. ولم يعد الاهتمام بهذه الحقوق من قبيل الكماليات أو الترف الفكري. ومن أجل ذلك فإن من الضروري أن يتعرف المسلمون وغير المسلمين علي ما اشتملت عليه الشريعة الإسلامية من اهتمام بالغ بحقوق الإنسان.. والارتفاع بها إلي مرتبة الضروريات التي لا تستقيم حياة الإنسان بدونها. الإخوة والأخوات أعضاء المؤتمر إن الأحداث الإجرامية المؤسفة التي يشهدها عدد من بلادنا الإسلامية بين حين وآخر.. والتي ترتكب للأسف الشديد باسم الدين.. تؤكد الحاجة الماسة إلي خطاب ديني مستنير يرتكز علي المقاصد الشرعية ويدعمه نظام تعليمي وإعلامي يؤكد التسامح وقبول الآخر.. ويسانده عقلاء الأمة من الكتاب والمثقفين ورجال الفكر.. من أجل محاصر ة الجهل والأمية الدينية والتعصب الأعمي.. والتصدي لكل عوامل الفرقة والانقسام والتطرف التي تهدد أمن واستقرار عالمنا الإسلامي.. وتسيء أبلغ إساءة لصورة ديننا الحنيف. إن أبناء الأمة في حاجة إلي التعرف علي جوهر عقيدتهم التي تحمي حقوق الإنسان.. وتحميهم أيضًا من الوقوع فريسة لأفكار متطرفة بعيدة كل البعد عن جوهر هذا الدين وسماحته.. ولا شك في أن التوعية الحقيقية بمقاصد الشريعة تعني في الوقت ذاته نشر ثقافة حقوق الإنسان.. وتعني بالتالي إبراز الصورة الحقيقية المشرفة للإسلام. وإذا كان هذا هو موقف الإسلام من حقوق الإنسان.. فإن من الظلم البين لهذا الدين اختزاله في مسائل هامشية تبتعد به عن جوهر تعاليمه.. أو تشويه تعاليمه من بعض أتباعه بجعله عنوانًا علي تصرفات يقومون بها بزعم أنها دفاع عن الإسلام.. فهذا يعد من ناحية إساءة للدين.. ومن ناحية أخري تشجيعًا لتيارات الانغلاق والتطرف.. والأمر الذي ينبغي أن يستقر في أذهان أجيالنا المسلمة.. أن الإسلام دعوة إلي الوسطية والاعتدال ونشر مبادئ الحق والعدل والمساواة.. واحترام الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات. ولا شك في أن انتشار موجات التطرف والتعصب في أوساط الشباب قد تسبب، ولايزال في تعويق جهود التنمية في عالمنا الإسلامي.. وفي إبعاد المسلمين عن العمل الجاد من أجل تقدمهم ونهضتهم في عالم اليوم.. عن طريق العلم والعمل وتحكيم العقل.. فعالم اليوم لم يعد فيه مكان للضعفاء والمنغلقين علي أنفسهم. الإخوة والأخوات أعضاء المؤتمر إن طريق الإسلام طريق واضح لا إعوجاج فيه.. وتعاليم الإسلام التي تحث علي إعمار الأرض والتفكر في آيات اللَّه في الكون وفي الإنسان.. من شأنها أن تجعل المسلمين قادرين علي التغلب علي مشكلات التخلف والفقر والجهل والتعصب الأعمي.. لتنطلق الأمة إلي آفاق التقدم والنهوض.. مسلحةً بالعلم والمعرفة في سباق مع الزمن.. حتي توفر لأبنائها الحياة الكريمة.. وتسهم في الوقت ذاته في أمن واستقرار وسلام هذا العالم الذي هو عالمنا جميعًا. إنني علي يقين من أن علماء الأمة علي وعي بذلك كله.. ومدركون ومتحملون مسئوليتهم الكبري في القضاء علي الأفكار الخاطئة والأحكام المسبقة والمفاهيم المغلوطة عن الإسلام في داخل العالم الإسلامي وخارجه. أتمني لمؤتمركم كل التوفيق والنجاح.. والخروج بتوصيات نافعة في مجال تصحيح صورة الإسلام وتأكيد سماحته ورحمته لدي الجميع.. مسلمين وغير مسلمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،