لما يخاصمني أفرح وأفكر في اللحظة اللي يصالحني فيها.. ولما يصالحني ازعل لاحسن يخاصمني تاني كلمات رددتها ليلي مراد، ولم أكن أتخيل أن تتردد علي مسامعي من وجه اعتدنا أن نراه متمرداً، جريئاً وقائداً للمعارك النسوية حتي أن البعض يطلق عليها عدوة الرجل فها أنا اكتشف الوجه الآخر وهي الحبيبة المضحية، العاشقة الولهانة.. إنها المحامية نهاد أبو القمصان التي يفاجأ كل من يعرف أنها زوجة حافظ أبو سعدة-الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان ليكون حباً حقوقياً من الطراز الأول طاف أروقة المحاكم ليكون زواجاً نجح في توفيق الليبرالية واليسارية للمرة الأولي في قصة تمتد لأكثر من عشرين عاماً بين الحب والسجون. توضح نهاد: لقد تعرفت علي حافظ لأول مرة عندما كنت في السنة الثانية من الكلية وأراد زملائي التقاط صورة مع متهم في قضية التنظيم الناصري المسلح قبل محاكمته التي كان من المتوقع أن تصل لإعدامه. وكان هذا لقائي الصامت مع حافظ الذي كان في السنة النهائية، ولكنني نظرت له باعتباره رمزاًً لمناضل شريف، ومرت بعض الأيام، واشتركنا في انتخابات الكلية، فقد كان مرشحاً نفسه لرئاسة الاتحاد وأنا للعضوية، وبدأنا نتبادل الحديث والآراء حتي بدأ كل منا ينجذب للآخر لتكون المشكلة الكبري في مضايقات زملائنا، فلقد كان ناصرياً يسارياً وأنا ليبرالية وخشيت كل جماعة سياسية من تأثير كل واحد علي الآخر، حتي اضطررنا للاعتراف سريعاً وأعلنا أن العلاقة التي تربطنا عاطفية وليست سياسية ولا تتعلق بعمليات غسيل المخ. وتروي لنا أبو القمصان أول نزهة خارج أسوار الجامعة وكانت يوم المحاكمة وقطعنا مشواراً طويلاً من الجامعة لمحكمة أمن الدولة طوارئ، ولم يكن حديثنا عن المشاعر والحب عن كل السيناريوهات المستقبلية وسبل تهريبه حال الحكم عليه وتدريبي علي إرسال الرسائل له واكتشاف المراقبة ولا أنسي أنه ودعني فور دخولنا قاعة المحكمة ليدخل القفص. فور تخرج حافظ تقدم لي ولكن والدي رفضه قطعياً تخوفاً علي مستقبلي بين السجون والمعتقلات، بجانب المطالبات المادية الكبري التي تطلب لفتيات العائلة، وظل رفضه لسنوات حتي عقدت اتفاقية مع والدي وهي عدم فرض زوج علي وفي المقابل لن أفرض عليه حافظ واستمرت هذه المعركة لخمس سنوات طويلة بين العند والعاطفة والصراعات السياسية والأسرية، لتبدأ مرحلة جديدة وهي موافقة والدي مع بعض المبالغات ولكن حافظ كان مجتهداً ومتيسراً الحال فنجح في توفير اللازم وتزوجنا أخيراً. وتعلق نهاد: إن علاقتنا كانت متميزة وفي النور من اللحظة الأولي، فلم يكن هدفي البحث عن عريس بينما السفر لفرنسا وتحضير الدكتوراة، ولكن غيرت حياتي عند لقائي به، ولم تبن علاقتنا علي الحب فقط إنما بالثقافة والارتباط العقلي والفكري لأن كلينا تربي في بيئة سياسية. وعن أكثر ما شدني إليه كان أنه نجح في قراءة وتحليل شخصيتي ولم ينجح أحد في فك طلاسمي كما فعل. بينما انبهر هو بالتوازن الذي نجحت فيه بين ليبرالية الفكر وشرقية السلوك، بين تحضر المذهب السياسي والالتزام الديني، وأخيراً إيماني بتحرر الفكر وليس الجسد ولم أعش يوماً صراعاً داخلياً. التقي الحبيبان ونجحا في الارتباط مؤسسين قاعدة الاحترام رغم الاختلاف، أفضل ما عبرت فيه عن زوجها كان عندما وصفته بالرجل الجدع ومواقفه لا تنسي ويكفي دعمه الدائم لها في العمل والحياة، أما أكثر موقف يتذكره لي فهو نجاحي في إدارة حملة قوية أثناء نفيه لفرنسا وخرج بعد 6 أيام فقط. أسرة أبو سعدة مكونة من الزوجة المحبة التي تمارس أمومتها ل3 أبناء بشكل مختلف يعتمد علي النقاش والمرونة وتختتم أبو القمصان قصتها بأن مشوار الحب والزواج طويل وشائك ليس كله حلو المذاق بل يتطلب الصبر والمثابرة ومزج العقل بالحب ليكون مزيجاً من فن الحياة.