الرصاصة لاتزال في رأسي قالها لي الراحل اللواء فؤاد الدالي، حينما كان مديراً لأمن الفيوم في أواخر السبعينيات من القرن الماضي.. وقتها سافرت إلي محافظة الفيوم في مهمة صحفية لمقابلة اللواء الدالي ليحكي لي عن معركة المستوصف التي جرت بالإسماعيلية يوم الخامس والعشرين من يناير 1952 والتي صارت ذكراها عيداً للشرطة، بل وعيداً لمصر كل عام. معركة المستوصف وهذا هو اسمها التاريخي.. جرت بين رجال الشرطة من جانب.. وقوات الإنجليز من جانب آخر، في معركة غير متكافئة بالمرة، حيث حاصرت قوات الاحتلال الانجليزي مبني محافظة الإسماعيلية والمستوصف بالدبابات والمصفحات بينما رجال الشرطة لا يملكون سوي بنادقهم وذخيرة لا تكفي.. وصدرت لهم التعليمات من فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية وقتئذ بالمقاومة حتي آخر طلقة لديهم.. وظل رجال الشرطة البواسل يقاومون رغم مطالب الانجليز لهم بالاستسلام حتي نفدت الذخيرة.. وسالت دماء شهدائنا دفاعا عن مصر.. وكرامة مصر. اللواء فؤاد الدالي -رحمه الله- كان بطلاً من أبطال معركة المستوصف وهو الذي حكي لي ما سبق وذكرت.. كان وقتها برتبة ملازم ثان أي حديث التخرج.. وكان من بين الأبطال الذين حوصروا في مبني المستوصف حتي اقتحمت شظية رأسه واستقرت أسفل قاع الجمجمة.. ورغم ذلك ظل يقاوم.. سافر إلي الخارج لاستخراج هذه الشظية.. فحصه أكبر جراحي العالم الذين شاركوا في علاج جرحي الحرب العالمية الثانية.. الجميع أجمع أن ما حدث للدالي معجزة لأنه لم يفقد أي حاسة من حواسه الخمس.. وأكدوا أن محاولة استخراج الشظية ستفقده أي حاسة من هذه الحواس.. وأجمع الأطباء في النهاية علي أن يبقي الوضع علي ما هو عليه.. وظل فؤاد الدالي يقضي حياته بشكل طبيعي حتي وافته المنية وهو في رتبة لواء متقاعد. قصة الدالي نشرت ضمن سلسلة حلقات تحت عنوان الرصاصة لاتزال في رأسي علي غرار فيلم الرصاصة لاتزال في جيبي الذي يحكي بين طياته ملحمة حرب أكتوبر.. والفارق هنا أن ما ذكرته قصة حقيقية سطرها رجال الشرطة البواسل، بينما الفيلم السينمائي كان من وحي خيال الكاتب رغم أن هناك العديد من القصص البطولية الحقيقية في حرب أكتوبر التي تستحق أن تتحول إلي أفلام. منذ 58 عاما.. ودماء رجال الشرطة البواسل تسيل حتي يومنا هذا دفاعا عن الوطن.. وأمن الوطن.. ضد أعداء الوطن.. حتي صار أعداء الوطن من الوطن نفسه.. دعونا نتذكر كم شهيداً من رجال الشرطة في الآونة الأخيرة لقي حتفه علي أيدي تاجر مخدرات.. أو مسجل خطر.. أو أحد المطاريد والمهربين.. وكم أسرة تيتمت.. رحم الله اللواء فؤاد الدالي.. ورحم كل شهداء الشرطة البواسل والعزاء لأسرهم.. وتحية لعيون مصر الساهرة علي أمن وسلام مصر. كلام في الهوا: وتحقق ما تمنيته منذ بداية بطولة الأمم الأفريقية المقامة حالياً في أنجولا وسيلتقي منتخبنا اليوم بمنتخب الجزائر في الدور قبل النهائي في مباراة، أتمني أن تكون في كرة القدم وليست في الإرهاب والضغط النفسي علي اللاعبين والجمهور.. أتمني أن يقدم المنتخبان عرضا يليق بتاريخيهما واسميهما.. مباراة يتحدث عنها العالم في فنون كرة القدم.. وليست في فتوات كرة القدم.. والفائز في هذه المباراة بهذه المواصفات، سنرفع له القبعة ونقول له أنت الأحق بالتأهل للمونديال. عموماً منتخبنا يخوض هذه المباراة ولديه العديد من دوافع الفوز.. فهي مباراة للدفاع عن اللقب.. وتحقيق البطولة الثالثة له علي التوالي في إنجاز أفريقي جديد غير مسبوق ليرفع رصيده إلي 7 بطولات أفريقية.. وهي فوق كل ذلك والأهم من كل ذلك هي مباراة للدفاع عن الكرامة التي أهدرت في أم درمان!