لا شك أن أحداث مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر امتدت آثارها إلي خارج الملعب ودفعنا جميعا ثمنا باهظا لها لم يكن أي من الرياضيين أو غيرهم في البلدين يتوقع الثمن أو النتائج. المباراة كشفت لنا أن العلاقات العربية - العربية هشة للغاية وهي مرتبطة بحكمة القيادة السياسية هنا أو هناك.. والحقيقة المؤكدة أن هناك بالفعل محاولات جادة لتنمية العلاقات العربية الأجنبية بكل الطرق في نفس الوقت اهملنا كمصريين ما هو عربي - عربي.. لم يعد أي منا داخل الدول العربية مهتم بالتقارب أو التفاهم والتحاور مع شباب الدول العربية. بل اعتمدنا علي التاريخ. وأهلمنا الحاضر والمستقبل تمامًا.. لذا من غير المستبعد أن أستيقظ علي خناقة عربية - عربية أو هجوم متبادل وعبارات إساءة نتيجة الاختلاف حول أي شئ. المشكلة أنه في الوقت الذي تسعي الدول العربية ومصر منها في الحفاظ علي علاقات مستقرة مع كل دول العالم. وتطويرها في كل المجالات نجد العكس تمامًا بشأن توثيق العلاقات العربية - العربية.. معظم الدول العربية في هذا الاتجاه تكتفي ببيانات أو زيارات روتينية أو استنفار لجنة مشتركة أو مجاملة بمناسبة العيد الوطني في مصر. لم نسأل أنفسنا مرة: لماذا نحصر الإخوة العرب في لقطات سينمائية وهم يلعبون القمار أو يتزوجون الفتيات المصريات صغار السن.. لماذا نصر علي حصر رؤيتنا لهم في هذا الإطار؟!. لم أشاهد مرة علي شاشة تليفزيون مصر أو في السينما المصرية حقيقة ما يدار داخل السعودية أو الجزائر أو المغرب أو تونس وحتي ليبيا وسوريا من حركة إنماء أو تطور سياسي أو علي الأقل كشف التفاعل داخل المجتمع العربي هناك والتوضيح لنا عن كيفية إقامة حوار جاد معه للوصول إلي مزيد من التلاحم.. مع الأسف الحقيقة أننا نتعامل ببرود بشأن البحث عن آليات حديثة وجديدة في هذا السياق ولا نبذل جهدا لتحقيق هذا الغرض ومن المؤكد أن العلاقات العربية - العربية أصبحت محصورة في التاريخ فقط من هنا نشأت العديد من المشكلات.. ففي قطاع الشباب مثلاً تلاحظ أن معظم شباب الدول العربية يتجه بحلمه للسفر إلي الخارج للعمل أو الهجرة وبالتالي هذا الحلم انعكس علي زيادة الدافع لدي هؤلاء لدراسة أوضاع المجتمعات الغربية ومتابعة أدق تفاصيلها. في نفس الوقت غاب عن شباب الدول العربية وبدرجة كبيرة الاهتمام بما يحدث في الدول العربية الأخري، ولأن النخبة في البلدان العربية هي الأخري مع احترامي لجهودها في توثيق العلاقات العربية - العربية أري أنها لجأت للطريق السهل وهو تبادل زيارة أو حضور مهرجان فني أو ثقافي وتبادل القبلات أمام عدسات المصورين لذا ظل دورها سطحيا أو هامشيا أو تحصيل حاصل. لقد سافرت ثلاث مرات إلي الجزائر آخرها قبل مباراة القاهرة والتي فاز فيها منتخب مصر بهدفين في تصفيات المونديال.. التقيت بعدد كبير من شرائح المجتمع الجزائري.. الزيارة الواحدة لمدة بسيطة، لا أدعي فيها أنني حصلت علي إجابات لما لدي عقلي من أسئلة عن الجزائر. الناس والشعب.. لكن اكتشفت أنني لا أفهم عربية المتحدث معي منهم وقد كنت أبذل جهدًا كبيرًا لفهم الكلمات. هم في واد ونحن في مصر في وادٍ آخر.. شعب الجزائر يتذكر كل تفاصيل الأحداث المشتركة ويثمن دور مصر في أحداث ثورة الجزائر.. وأنا أيضًا ذكرت لهم دور الجزائر القوي والمؤيد لقضايا مصر الوطنية.. اكتشفت أن الحكومة المصرية كأفراد علاقتها جميلة بالحكومة الجزائرية.. لكن هناك هوة بين مزاج وأحلام الشعبين والأهم أن مصر لا تتحرك تجاه الجزائر بما يلبي حاجة تأصيل لعلاقة أزلية ونافعة للجانبين وأيضًا الجانب الجزائري. وما يحدث الآن علي الساحة العربية بالفعل مأساة. وهناك مشاكل حقيقية ناتجة من عدم التواصل بين الشعوب أو التعاون الواضح الوثيق. وهذا ما كشف عنه لقاء في كرة القدم بين مصر والجزائر.. وأنا شخصيا سعيد جدًا بما حدث لأنه أوضح لي ولغيري أن الحكومات العربية أهملت ترجمة أو مساعدة شعوبها في فهم شعوب الدول العربية الأخري وأنها لم تكن شجاعة في الإعلان عن هشاشة العلاقات بين الدول العربية بعضها ببعض. وبرغم أن العلاقة بين الشعوب العربية ومصر جميلة وقوية، لكنها تحتاج للتطوير الدائم وإهمال التطوير يعني جمودها وتوقفها عند حدود معينة وهذا ما يحدث.. أعتقد أن الاقتصاد هو البداية.. فيما لو كنا نسعي لتطوير العلاقات المصرية - العربية من غير المعقول أن نسعي لخلق أسواق تجارية لنا في أوروبا.. ونهمل فعل نفس الشيء في الدول العربية.. نتصارع لجذب الاستثمارات الأجنبية ونضع آلاف العراقيل أمام المستثمرين العرب؟ أنا شخصيا لا أريد أن أدخل والقارئ في دوامة أو سرداب بطرح شعارات. لكن الحقيقة المؤكدة أن علاقة الشعوب العربية بعضها ببعض مُرضية وكما قلت وهي تستند لتاريخ وهي مساحة من الممكن أن تسقط من شريط الذكريات خاصة عند الشباب بمعني الجرعة التاريخية لا تكفي لاستمرار العلاقة المتميزة.. مطلوب تطوير العلاقة بين مصر والدول العربية بكل الطرق وفي كل المجالات.. أطلقوا عددًا كبيرًا من الخبراء إلي الجزائر والمغرب وتونس أو ليبيا والسعودية واليمن أو سوريا وحتي العراق والأردن وقطر والكويت في مجالات الثقافة والفن والمسرح والاقتصاد والتعليم.. بهدف وضع دراسة عن الجيل الحالي وتوقع لما قد يحدث بعد ذلك. دعموا علاقتكم مع الدول العربية فهي الشقيقة بالفعل.. كرروا وأعيدو لنا التاريخ المشترك أقيموا المشروعات والجامعات ونسقوا في كل شيء، قوة العرب في وحدتهم، هذا هو الحل لخلق مجتمع عربي متماسك اجتماعيا واقتصاديا وسياسيًا وإلا سوف نستيقظ بعد كل مباراة في كرة القدم أو غيرها علي خناقة وشتيمة وقلة أدب وقرارات انفعالية وهي أشياء لاشك تترك أثرًا ورواسب سوداء داخل عقل شباب الأمة العربية. فهل نستيقظ ونبدأ من الآن؟