بقلم روبرت فيسك ترجمة مى فهيم نقلا عن الاندبندنت البريطانية بينما كنت أتجول الأسبوع الماضي أنا وديفيد ميكيتريك رجلنا في بلفاست وأحد أصدقائي القدامي-كانت هناك رياح شديدة.وفي مقبرة بلفاست في ايرلندا الشمالية حيث يرقد بوبي ساندز أحد قادة «الجيش السري الأيرلندي»، وربما لم يكن المستوطنون البروتستانت في القرنين السادس عشر والسابع عشر يدرون أن بلادهم ستصبح كاثوليكية بعد مرور 400 عام أو أن البافيست ستصبح بلدة أغلبها كاثوليك.. فقصة المستوطنين البروتستانت في أيرلندا هي سرد شبحي للمستوطنات في العصر الحديث في "الضفة الغربية" حيث يصر الإسرائيليون علي خوض آخر حرب استعمارية في العالم بمساعدة أكبر دولة مناوئة للاستعمار المعروفة باسم "الولاياتالمتحدة ". مع الفارق بالطبع فالبروتستانتية في اشكالها الايرلندية المختلفة كانت تهدف إلي تحويل أو التطهير العرقي للكاثوليك. بينما اليهودية لا تحاول جذب الاتباع... بل علي العكس تماما، كما أن ادعاء اسرائيل غير الشرعي في الضفة الغربية لاحتلال الارض العربية يعتمد علي النصوص المقدسة وليس علي أمر ملكي. وكما كانت هناك جهود سابقة لاستعمار أيرلندا البربرية، عندما وطن الملوك الكاثوليك عائلات في أراضي لايكس وأوفالي (التي اكتشف مالكوها الآن أنهم كانوا يعيشون في مقاطعات الملك والملكة)، وكذلك الحال فعلي الفلسطينيين في الضفة الغربية أن يقتنعوا بأنهم منذ عام 1967 يعيشون في يهودا والسامرية ولكن في نهاية المطاف باءت بالفشل وانهارت لافتقارها إلي الدعم الانساني أو المادي أو بسبب تمرد الذين طردوا منها لافساح المجال لهم. وسيبقي خوف إسرائيل الدائم من عودة الفلسطينيين المطرودين من أرضهم عام 1948 ليعودوا إلي أرضهم السابقة التي تعرف الآن بدولة إسرائيل أو علي الاقل الاراضي التي أخذت منهم في الضفة الغربية بعد عام 1967. كما ان المذابح الكاثوليكية التي قام بها البروتستانت في عام 1641 وهي الفترة التي شهدت اندلاع الحرب الاهلية فقرابة 1.300 من البروتستانت تم اعدامهم في عام 1641 وهي تشابه مذبحة الخليل التي قام بها اليهود خلال التمرد العربي عام 1929 . لكن المستوطنين في العصر الاليزابيثي جاءوا وكأنهم جنود مثل المستوطنين الاسرائيليين في الضفة الغربية الذين علي استعداد ليكونوا جنودا. فكرة استيطان الأراضي غير المأهولة بالسكان سيطرت علي مخيلة كل من أيرلندا وإسرائيل وأدت إلي هجر أو استسلام مئات المدن العربية الأخري في الأرض التي صارت إسرائيل. وبات يتردد شعار"أرضٌ بلا شعب لشعب بلا أرض". وكان أوليفر كرومويل قد زرع شكلا جديدا من أشكال العنف في ايرلندا التي لا يزال ضحاياها في قبر ميل تاون ومقابر البلفاست ومعظمهم من البروتستانت. فضلا عن المذابح في دروغيدا ويكسفورد بمثابه الحافز للخوف الجماعي والامر يشابه مقتل الكثيرين في دير ياسين وغيرها من البلدان العربية الاخري في عام 1948 وهو ما أدي إلي هجر واستسلام الكثير من المدن العربية التي باتت الآن إسرائيل. ومن جانب آخر ففي أيرلندا تمت مصادرة العديد من الاراضي المملوكة للكاثوليك السكان الاصليين لها بل طرد سكانها الاصليين. وبحلول عام 1688 بات للكاثوليك 22% فقط من ايرلندا وكذلك الحال ففي الاراضي الفلسطينية 22% كان مطالباً من عرفات أن يتفاوض في المفاوضات اليائسة في اتفاق أوسلو، والاراضي المملوكة للعرب في فلسطين تناقص أعدادها الان في فلسطين. وكان الحكام الانجليز في القرن السابع عشر يعتقدون ان الاسبان يقدمون الدعم المادي والمعنوي للمتمردين الايرلنديين كما تعتقد إسرائيل اليوم بأن إيران تقدم الدعم المادي والمعنوي لحماس وحزب الله. وكان هناك الكثير من أعمال "الارهاب" ضد البروتستانت من جانب المستأجرين الكاثوليك الذين لا يملكون ارضا لذا فلقد أحاطت المستوطنات بجدران دفاعية مثل الجدار الإسرائيلي العازل. ومنيت مستوطنات الانجليز والاسكتلنديين بالفشل في أيرلندا ويأمل البروتستانت في أن تنال الدعم الابدي من لندن وهو ما أثبت عدم صحته في النهاية. وماذا عن الآمال الإسرائيلية في دعم لا نهاية له من واشنطن؟. وإنني لا زالت ما أومن بالحل القائم علي دولة واحدة التي ستضطر يوما ما الاقلية البروتستانتية لقبولها في أيرلندا - إذا لم يكونوا فعلوا ذلك بالطبع في اللاشعور- لكن الاستعمار يؤدي في النهاية إلي مقبرة. والجدار لن ينفع ولا الديانات السامية ولا التطهير العرقي. والتاريخ الذي يجب أن يدرس بشكل أبدي علي أنه آمال زائفة هو عقاب كبير.