منذ عامين توقف العالم بالنسبة لي ولأبنائي وارتعش قلب باكستان وتمزقت أوصالها،وفقدت نساؤها واحدة من أكبر رموز المساواة كما فقد الإسلام ،ديننا العظيم، وجه حداثته، ففي السابع والعشرين من ديسمبر عام 2007 اغتيلت زوجتي بينظير بوتو أشجع إنسانة عرفتها،والذكري السنوية الثانية لموتها هي فرصة مناسبة لتأمل ما قدمته لبلادنا كما هي فرصة للحفاظ علي تراثها الذي خلفته بعيدا عن أيدي هؤلاء الذين يودون لو تعود باكستان للظلام. لقد كان لبينظير ،التي انتخبت مرتين رئيسا للوزراء،تأثيرا بالغا علي باكستان فهي التي وقفت لتهزم القوات العسكرية الديكتاتورية، وأطلقت سراح جميع السجناء السياسيين، وهي التي قضت علي الرقابة علي الصحف وقننت الاتحادات المهنية والطلابية وبنت 46000 مدرسة ابتدائية وثانوية وعينت أول قاضية في تاريخ باكستان لتظهر لنساء باكستان والعالم كله أن المرأة لا يجب أن تقبل بأي قيود علي قدراتها وفرصتها في التعليم والريادة في المجتمع الحديث. بينظير التي كانت هدفا لمحاولتي اغتيال من قبل أسامة بن لادن في التسعينيات،حذرت العالم مرارا وتكرارًا من خطر المتطرفين والمتشددين،وحتي أنها في يوم وفاتها نفسه ذعلي أيدي هؤلاء المتطرفين- حشدت الناس في باكستان لتطلب منهم مكافحة التهديد الإرهابي. اغتيال بينظير لم يقتل أحلامها، ففي يوم دفنها صرخ أنصارها مطالبين بالانتقام لكننا ذكرناهم بكلمات كانت بينظير ترددها وهي؛ "إن الديموقراطية هي أكبر انتقام" ومن ثم قدنا حزب الشعب الباكستاني للفوز في الانتخابات. ومنذ ذلك الحين ونحن نحاول الوفاء ببرنامجها الانتخابي،فاقتصاد البلاد الذي ظل في حالة يرثي لها في عقود الديكتاتورية بدأ في الاستقرار والنشاط،وانتهي نقص المواد الغذائية كما تضاءل نقص الطاقة وكذلك فقد اعتمدنا ولأول مرة في التاريخ برنامجا وطنيا للحد من انتشار المدارس السياسية،أما الإصلاحات الدستورية،يجري حاليا وضع اللمسات الأخيرة عليها والتي ستخلص باكستان من الأحكام غير الديموقراطية التي أدرجها الديكتاتوريون العسكريون الذين وسعوا من سلطة الرئاسة علي حساب البرلمان. لقد ماتت بينظير بوتو وهي تواجه قوي الطغيان والإرهاب،وباكستان لا تزال ملتزمة بالنضال الذي قادته،فقد استرجعنا سنوات ومالاكاند من أيدي المسلحين كما أعدنا المشردين لديارهم،و توسعنا في حربنا ضد المتشددين لتشمل مناطق أخري بما في ذلك منطقة جنوب وزيرستان القبلية وسوف ننتصر في هذه الحرب ضدهم. نحن لن نترك المسلحين يفرضون أجندتهم السياسية علي الشعب،فالملكية السياسية للحرب علي الإرهاب تقع الآن علي عاتق الشعب الباكستاني الذي يقف لأول مرة في مقدمة الصفوف بينما يقف المجتمع الدولي وراءه ليدعمه. لقد أنجزنا الكثير لكن هذا الإنجاز لم يكن بالأمر السهل علي أمتي أو حزبي أو عائلتي لأن تلك القوي التي قاومت التغيير والحداثة والديموقراطية علي مدي 30عاما لا تزال تسير في محاولاتها لعرقلة التقدم،وبعض من هذه القوي التي كانت متحالفة مع الديكتاتورية في الماضي تأمل الآن في أن يساعدها القضاء علي تحجيم إرادة الناخبين الديموقراطية وزعزعة استقرار البلاد من خلال سلسلة من المؤامرات والاتهامات بالفساد ضد كل حكومة منتخبة ديموقراطيا من أجل تهديد شرعية حكومتنا. وهؤلاء الذين لن يقفوا معنا ضد الإرهاب نجدهم يقفون ضدنا في وسائل الإعلام،لقد أمضيت أنا ما يقرب من 12عاما في السجن في تهم ملفقة لم تثبت قط لذلك النظام القضائي الذي يتلاعب به الحكام المستبدون الطغاة،لكنني ،شأني شأن بينظير، أرفض الترهيب،لذا فلندع الدعوي القضائية تأخذ مجراها ونحن لطالما كافحنا من أجل الديمقراطية علي مدي عقود لذا فإننا لا نخاف من العدالة التي نعتنقها. إن وزراء بلادي وحزبي وقادة الأحزاب الأخري والآلاف من الذين يخدمون الشعب في جميع أنحاء أمتنا سيدافعون عن أنفسهم في المحاكم إذا لزم الأمر، فالديمقراطية قطعت شوطا طويلا في باكستان وحزب الشعب كان دائما في طليعة الكفاح. وفي عام 1979 أعدم ذو الفقار علي بوتو ذوالد بينظير ورئيس وزراء باكستان المنتخب وقتها- فيما يعتبره التاريخ الآن جريمة قضائية،وبعدها بعقدين من الزمان وجهت لبينظير الاتهامات الملفقة أيضا من خصومها السياسيين،لكن الأدلة الصوتية والشواهد علي التزوير والتلفيق ضد بينظير أدي إلي رفض القضية وعدم استكمالها. ونحن الذين عانينا من الديكتاتورية من قبل نعتقد في سيادة القانون ونثق في العملية القضائية،فعلي حد قول زوجتي؛ "إن الوقت والعدالة وقوي التاريخ تقف في صالحنا". إننا لم نبلغ هذا الحد في كفاحنا من أجل الديمقراطية لنسلم في النهاية ونفشل،وهنا أقتبس قول حماي ومصدر إلهامي ذو الفقار علي بوتو ؛ "إنني أفضل الموت علي يد الطغاة عن الموت علي يد التاريخ".