توقعنا في الأسبوع الماضي أن تفشل محاولة انقاذ الأرض باتفاق ملزم للسيطرة علي مشكلة الاحتباس الحراري يوقعه القادة في كوبنهاجن.. بالفعل قال اوباما قبل مغادرته للمؤتمر في نهاية أعماله مساء الجمعة الماضي ان التوصل الي اتفاقية ملزمة قانونيا حول المناخ سيكون صعبا جدا، وسيحتاج مزيدا من الوقت. بلغة مفهومة أقل تعقيدا يعني ان المؤتمر فشل في تحقيق الهدف الرئيسي منه وهو التوصل الي اتفاقية ملزمة للسيطرة علي انبعاث عوادم الصناعة والمحروقات الي جو الأرض والسبب هو تضارب المصالح الاقتصادية للدول الكبري الصناعية الغنية مع هذا الاتجاه. بدلا من التوصل الي الاتفاق الملزم للدول الكبري، ازداد الموقف تعقيدا من خلال محاولة الدول الصناعية الغنية نقل معظم العبء الي الدول النامية مقابل حفنة من الأموال علي سبيل الرشوة تحت مسمي مساعدتها علي مواجهة مخاطر تغير المناخ، قال الرئيس الأمريكي صراحة ان علي بلدان العالم ان تنشط اكثر في اتخاذ خطوات من شأنها مواجهة مخاطر تغيرات المناخ في المستقبل واشار الي تخصيص 30 مليار دولار للاعوام الثلاثة المقبلة للدول الفقيرة لمواجهة مخاطر تغيرات المناخ، علي ان ترتفع الي 100 مليار دولار بحلول عام 2020 . يقول العلماء إنه بدون الاتفاق الملزم، فإن الأرض ستواجه عواقب تزايد مطرد في درجات الحرارة، مما سيؤدي إلي انقراض أنواع من النبات والحيوان، وغرق المدن الساحلية، ونشوء أحوال جوية قاسية جداً، وجفاف، وانتشار الأمراض. معظم دول العالم مقتنعة بأن تغير المناخ يشكل تهديدا للبشرية وللطبيعة علي حد سواء، فقد توصلت عدة دراسات علمية، ولاسيما تلك التي أجرتها اللجنة الحكومية للتغير المناخي في الاممالمتحدة إلي خلاصات تفيد بأن النشاط الإنساني يؤثر علي المناخ وسيؤدي إلي ارتفاع في درجات الحرارة. المشكلة التي تعاني منها أمنا الأرض ليست في التغير المناخي فطالما تغير المناخ بشكل طبيعي علي الأرض، فعلي سبيل المثال التغيرات في مدار الأرض تؤدي الي تغير المسافة بين الكرة الارضية والشمس وقد نتج عن ذلك عبر التاريخ بروز عصور جليدية وفترات حارة في اوقات اخري. لكن الخبراء يقولون ان النشاط الانساني مسئول بنسبة تتخطي 90 بالمئة عن التغير في المناخ الحاصل اليوم والسبب الرئيسي لذلك هو حريق النفط والفحم والغاز وهي مواد تؤدي إلي انبعاثات ثاني اكسيد الكربون بكميات كبيرة ما يشكل نوعا من غطاء يخزن حرارة الشمس ويؤدي إلي ارتفاع حرارة سطح الأرض. نتيجة كل ذلك تعرف بالاحتباس الحراري أي ارتفاع درجات الحرارة عن المعدل الطبيعي باستمرار، من بين النتائج أيضا تغير كميات سقوط الامطار وتوقيتها وارتفاع مستوي البحار والمحيطات والفرق في درجات الحرارة بين الليل والنهار. هذه التغيرات تحدث تشوهات في أنماط الحياة المختلفة وتسبب ظهور كوارث طبيعية وتفشي أنواع غير معروفة من الأمراض بالإضافة إلي التأثير السلبي لتغير البيئة بسرعة علي الجهاز المناعي للانسان نظرا لعدم توافر الوقت اللازم لتأقلم الإنسان علي المتغيرات الجديدة السريعة. المشكلة الرئيسية التي تعترض التوصل إلي الاتفاق الملزم هي المصالح المتعارضة لمنتجي ومستهلكي الطاقة التقليدية من الفحم والبترول وهي مصادر طاقة ذات كلفة منخفضة نسبيا، وبالتالي تحقق أرباحا للاستثمارات الضخمة المرتبطة والمتعلقة بها، المجهود الرئيسي لوقف التسارع في تغير المناخ يعتمد علي تجنب إحراق المواد النفطية والفحم، ولذلك فإن اعتماد مصادر أخري للطاقة يعني بالضرورة أن سعر الطاقة سيرتفع من ناحية، وتضمحل الاستثمارات المالية الحالية في البترول والفحم. ينبه الخبراء الي أن ارتفاع معدل حرارة الارض درجة مئوية واحدة كل عشر سنوات سيؤدي بعد خمسة عقود الي غرق اكثر من نصف اليابسة، بمعني انه يؤدي الي هلاك الحضارة علي اكثر من نصف الكرة الأرضية خلال القرن الحالي! العقدة إذن هي ارتفاع حرارة الارض بسبب تزايد معدلات الغازات المنبعثة عن الصناعة والمحروقات وهي التي تصنع حاجزا يحبس الحرارة في جو الأرض مما يؤدي الي ارتفاع درجة الحرارة عن معدلاتها الطبيعية، يعني الأزمة من صنع الانسان المندفع نحو استثمار البيئة المحيطة به دون وعي بما يحدثه من خلل في التوازن الطبيعي. يأتي بعد ذلك سؤال مهم وهو: أليس من المفترض أن يستثمر الانسان البيئة من أجل التنمية لسد حاجاته الضرورية للبقاء كالغذاء والكساء والدواء والسكن والعمل وغيرها مما يعرف بأنماط التقدم الحضاري؟ الحقيقة أن البقاء لم يعد الدافع للاستثمار في عناصر الطبيعة ولكن أصبح الحصول علي الربح وتكديس الفوائض هو الحافز والدافع للاعتداء الشره علي البيئة واساءة استخدام عناصرها الي أبعد الحدود، لذلك أعاقت الدول المتقدمة - في الواقع - التوصل إلي اتفاق ملزم لأنها لا تزال تنظر بالعينين معا الي المصالح والمنافع المرتبطة بمفهوم تحقيق الأرباح وقوة البورصة والسيطرة علي الأسواق، وليست مستعدة بعد لمساعدة الدول النامية مساعدة حقيقية في إطار نظام اقتصادي عادل يوقف السباق المحموم لتدمير البيئة الصالحة لحياة الإنسان. إن جانبا من الحل يعتمد علي تقليل الانبعاثات، أما الجانب الآخر فهو زيادة المساحات المزروعة التي انقرضت من كوكب الأرض بفعل ارتباط التقدم بالصناعة، وتلك قضية أخري علي جانب كبير من الأهمية.