في نفس هذا اليوم تأتي ذكري الشيخ عبدالحميد كشك، الذي رحل عن الدنيا في السادس من ديسمبر سنة 1996، ظاهرة فريدة في التاريخ الاجتماعي المصري، ذلك أن رجل الدين الذي يلقي خطبة الجمعة أسبوعىًا، وسط حشد جماهيري غير مسبوق، قد تحول إلي ما يشبه النشرة الإخبارية التحليلية الساخرة المتهكمة، تتناول كل ما هو جدير بالاهتمام في الحياة اليومية للناس، سياسيا واقتصاديا وفنيا وثقافيا، وتمثل متنفسا يشبه ما نجدشه الآن في الصحف التي تتخذ من السب والشتم عملا، وفي الفضائيات التي تبحث عن الإثارة والتهويل، فإن لم تجد ما يلبي احتياجاتها ويتوافق مع منهجها، صنعته! لم يكن المحصول الديني للشيخ كشك ذا شأن، فهو لا يعلم فقها وشريعة، ولا يفسر أو يقدم المواعظ، وغايته الأسمي هي الهجوم المتطرف علي ما يري أنه انحراف أو فساد أخلاقي، وفي هذا الإطار لم ينج من لسانه زعيم في قامة عبدالناصر، وفنانة عملاقة مثل أم كلثوم، وأديب عالمي فذ الموهبة هو نجيب محفوظ. يتحدث الشيخ كشك من منطلق امتلاكه للحقيقة المطلقة التي لا جدال حولها، وليس علي المستمعين إلا أن يذعنوا ويطعيوا، ولقد كان الرجل من أصحاب الحس الفكاهي الرفيع، وأعانته هذه السمة علي الانتشار في صفوف الجماهير الشعبية التي تتنفس المرح والسخرية، لكن الجانب الآخر المدمر يتمثل في المضمون الرجعي المتخلف المتعنت الذي كان يبشر به ويدعو إليه، وفي هذا المضمار يعد بحق رائدا لدعاة التكفير والتخوين الذين ينتشرون الآن بشكل سرطاني في المساجد والصحف والفضائيات. رحم الله الشيخ كشك، فلو امتد به العمر لوجد منافسة عاتية من تلاميذه الذين تسلحوا بأدوات لم يكن يملكها، ولعل الكثيرين ممن هاجموا الرجل ومنطقه وأسلوبه، ونبهوا إلي ما في طريقته من مخاطر، لم يتصوروا أنه رائد في رياضة التكفير، تلك التي شاعت وانتشرت وتحولت إلي مفردة يومية تنبئ بالمزيد من الازدهار، رحمة الله واسعة، وما أحرانا أن نقاوم قبل أن يأتي الطوفان علي الأخضر واليابس.