أتضامن هنا مع ما كتبه الصديق حلمي النمنم الأسبوع الماضي تحت عنوان في جامعة عين شمس مشيدًا بقرار د.أحمد زكي بدر رئيس جامعة عين شمس بإحالة عدد من المعيدين والمدرسين المساعدين إلي أعمال إدارية.. بعد أن قضي كل منهم خمس سنوات دون أن ينجز المطلوب منه ضمن متطلبات ترقياته الأكاديمية. دائما ما كنت أعتقد أن أستاذ الجامعة هو بمثابة مشروع فكري متكامل.. وهو ما جعل غالبيتهم منذ خمسين عاما من المفكرين والمثقفين والسياسيين ممن تركوا أثرًا عظيمًا في الحياة العامة.. وبالتالي كان لغالبيتهم ريادة تجاوزت حدود الوطن سواء علي مستوي القدرات العلمية والبحثية، أو علي مستوي الجامعات الدولية والمنظمات والمراكز العلمية العالمية. منذ نصف قرن كان عدد أساتذة الجامعة قليلاً جدا.. طبقا لاحتياجات الجامعة الفعلية.. وكانوا معروفين ولهم مقام رفيع.. كما كانوا محل احترام من جميع فئات المجتمع.. ولم يشهد المجتمع حينذاك ظهور فئة أستاذ المذكرات الذي يبيع ملخصاته لطلابه، بل كان غالبيتهم يتسابق لتعليمهم وتربيتهم فكريا ومجتمعيا لأقصي حد ممكن. أما الآن، فقد تغير حال أستاذ الجامعة، بل وتبدل إلي النقيض تقريبا وهي مسئولية عامة علي المستوي القومي.. لا يمكن أن تتحملها وزارة التعليم العالي وحدها بأي حال من الأحوال.. لأن هناك متغيرات أخري لها تأثير أساسي في تشكيل مستوي خريجي الجامعات، وربما يأتي في مقدمتها تشكيل وعيهم العام سواء في مرحلة التعليم الأساسي أو من خلال المناخ الثقافي العام. نحتاج إلي أستاذ جامعة يمتلك ثلاث ركائز أساسية يجب توافرها لتنفيذه للدور الأكاديمي الذي تطالبه به الجامعة، وهي أن يكون باحثًا متميزًا، ومعلمًا متميزًا، وإنسانًا متميزًا.. أي التكامل الذي يصنع منه قدوة أو نموذجا أمام الطلبة وأمام المجتمع. أعلم جيدا أن نقص التمويل يعد بمثابة الخلل في تطوير حال أستاذ الجامعة، ولكن ليس ما سبق مبررًا لعدم تطبيق القانون واللوائح المنظمة للترقيات داخل الجامعة.. وإذا كان ما سبق فيه تجاوزات أكاديمية ملحوظة، فإن مثل تلك القرارات هي بمثابة بداية حقيقية للحزم والحسم الأكاديمي. وفي تقديري أن السبب الرئيسي في عدم قيام الجامعة بالدور المنوط بها هو امتناع الأستاذ الجامعي عن القيام بدوره التربوي وانسحابه فعليا من الحياة الجامعية بالمقارنة بأساتذة الجامعة منذ نصف قرن، الذي وصل في بعض الأحيان إلي قيام البعض منهم بدور مضاد.. نتج عنه ممارسة التشويش الفكري علي الطلبة، وما ترتب علي ذلك من شيوع حالة من عدم الوعي الفكري والسياسي لطلبة الجامعة.. لقد فقدنا المعلم المربي والمؤثر في حياة تلاميذه، والأستاذ الموجه لطلابه في الارتقاء بأفكارهم واستغلال قدراتهم وتنمية مهاراتهم.. لقد فقد الطلبة المعلم والأستاذ القدوة. أعتقد أن قرار د.أحمد زكي بدر بالفعل هو قرار شجاع في سبيل تطوير الجامعة المصرية وإصلاحها في عمودها الفقري.