دعا الرئيس حسني مبارك دول العالم الإسلامي إلي التفاعل بشكل ايجابي مستمر وبناء مع تحديات القرن الحادي والعشرين بما يحمله من أزمات ذات طبيعة عالمية عابرة للحدود تتطلب مشاركة الدول كافة في إيجاد حلول لها. وأكد الرئيس مبارك أن مصر ستظل تعمل جاهدة ليصل صوت الأمة الإسلامية قويا وواضحا لمحافل وآليات صنع القرار الاقتصادي الدولي والتعبير عن تطلع العالم الإسلامي للسلام والتنمية. جاء ذلك في كلمة الرئيس مبارك التي وجهها إلي قمة اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري لمنظمة المؤتمر الاسلامي "كومسيك" والتي بدأت أعمالها امس في إسطنبول، ويلقيها بالإنابة عنه وزير التجارة والصناعة المهندس رشيد محمد رشيد. وحدد الرئيس مبارك في كلمته للقمة خمسة محاور رئيسية لتعزيز العمل الاسلامي المشترك ورفع مستوي معيشة شعوب العالم الاسلامي..داعيا إلي تعزيز التجارة البينية بين دول منظمة المؤتمر الاسلامي في عالم يتجه بصورة متزايدة نحو الحمائية. وشدد علي ضرورة أن تتوافق دول المنظمة علي اجراءات وسياسات تسرع بتنفيذ مشروعات البنية التحتية من المواصلات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في دول المنظمة تحقيقا المستويات أعلي من التعاون والتكامل والاقتصادي. وطالب الرئيس مبارك بضرورة أن تولي دول العالم الاسلامي مزيدا من الاهتمام لقضية الأمن الغذائي والتحرك السريع لضمان توفير احتياجات شعوبها من الغذاء في الحاضر والمستقبل. ونبه إلي الحاجة لمعالجة فعالة لمشكلة ندرة التمويل في الدول الاسلامية الأقل نموا.. مشيرا الي الدور المحوري الذي تضطلع به مؤسسات التمويل الإنمائية الإسلامية لمساعدة هذه الدول علي تخطي هذه العقبة من خلال زيادة دعمها المالي لتمويل البرامج الاجتماعية. وأوضح الرئيس مبارك أن التعامل مع هذه المحاور وترجمتها إلي نتائج ملموسة لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن خطة واضحة لتنمية مواردنا البشرية وتطوير الهياكل القائمة لصنع القرار الاقتصادي بما يعطي للدول الاسلامية دورا أكبر في النظام الاقتصادي والتجاري العالمي. وفيما يلي نص الكلمة: أود أن أعرب عن الشكر والتقدير لأخي الرئيس عبدالله جول وشعب تركيا لاستضافة هذه القمة المهمة، وإنني أتطلع الي أن تسفر هذه القمة عن نتائج مفيدة وبناءة، تعطي دفعة قوية للعمل الإسلامي الاقتصادي المشترك، وتسهم في صنع مستقبل أفضل للدول الإسلامية وشعوبها. إن هذه القمة تتوج خمسة وعشرين عاما من العمل المشترك في إطار اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وتتيح الفرصة أمامنا لتقييم ما نجحنا في تحقيقه خلال هذه الفترة من إنجازات، بما يساعدنا علي تطوير العمل الإسلامي المشترك في المستقبل، لمستويات ترقي لإمكانياتنا وتحقق تطلعات شعوبنا، وتواكب في ذات الوقت التغيرات المتسارعة في عالم متحول. لقد نجحنا منذ إطلاق أعمال هذه اللجنة المهمة في صياغة وتفعيل الركائز الأساسية للعمل الإسلامي الاقتصادي والتجاري المشترك، واستطعنا أن ننفذ العديد من المشروعات التنموية المشتركة ، كما تمكنا من خلال جهود مستمرة ورؤية مستنيرة من أن تصبح منظمة المؤتمر الإسلامي حاضرة وبقوة علي الساحة العالمية كمنظمة قادرة علي طرح الحلول والتفاعل الإيجابي مع مقتضيات العصر ومتطلباته، إننا ونحن نتطلع اليوم الي البناء علي مكتسبات تعاوننا المشترك، وما يتيحه من آفاق وفرص في المستقبل، لانملك تجاهل الأزمات المتلاحقة التي تعرض لها العالم خلال العامين الماضيين، بدءا من الارتفاع غير المسبوق في أسعار الغذاء والطاقة والمواد الخام ، وما أعقبها من أزمة مالية طاحنة ومستمرة تسببت في انكماش الاقتصاد العالمي، وقد تحملت الدول النامية وغالبيتها من الدول الإسلامية - ولا تزال - النصيب الأكبر من تداعيات هذه الأزمة نتيجة التراجع في حركة التجارة العالمية وانخفاض ماتتلقاه هذه الدول من الاستثمارات الأجنبية المباشرة. لقد أوضحت هذه الأزمات أهمية مراجعة قواعد النظام المالي والاقتصادي العالمي، وإعادة هيكلة مؤسسات التمويل الدولية.وفي هذا الصدد.. يتعين علي المجموعة الإسلامية أن تسهم من الآن في صياغة هذا النظام العالمي الجديد لتفرض نفسها كتكتل اقتصادي قادر علي الدفاع عن مصالح شعوبه وتحقيق أولوياته. إن نجاحنا في صنع المستقبل الأفضل للدول الأعضاء في (الكومسيك) يظل رهنا بقدرتنا علي استيعاب هذه المستجدات العالمية والتعامل معها .. كما يظل رهنا بإدراكنا لما تتمتع به الدول الإسلامية من مقومات تؤهلها للمكانة التي تستحقها وتصبو إليها. إن سعينا لرفع مستوي معيشة شعوبنا يقتضي تعزيز العمل الإسلامي المشترك وتحركنا علي عدد من المحاور الرئيسية.. أوجزها علي النحو التالي: أولا: تعزيز التجارة البينية بين دول المنظمة كخيار استراتيجي في عالم يتجه بصورة متزايدة نحو الحمائية ، والدول الإسلامية تسير بخطي ثابتة وواثقة علي الطريق لذلك. إن تحقيق المزيد من تعزيز التجارة البينية لايتوقف فقط علي إزالة الحواجز التجارية وغير التجارية بين الدول الأعضاء وإنما يتجاوز ذلك إلي ضرورة دعم القدرات الإنتاجية في اقتصادات الدول الأعضاء. وفي هذا السياق .. فإنني أعرب عن تقديرنا لدورالكومسيك في وضع الخطط والبرامج لرفع القدرة التنافسية والترويج لمنتجات التصدير الرئيسية في الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي. ثانيا: وفي ذات السياق وتحقيقا لمستويات أعلي من التعاون والتكامل الاقتصادي فإن علينا أن نتوافق علي إجراءات وسياسات تسرع بتنفيذ مشروعات البنية التحتية من المواصلات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في دول المنظمة بما يضمن ربط شبكات التجارة بعضها البعض من ناحية، ويعزز من فرص تحويل بعض دول المنظمة إلي محطات إقليمية تنطلق منها صادراتنا إلي مناطق تتجاوز حدودنا وأقاليمنا الجغرافية. ثالثا: إن علينا أن نولي المزيد من الاهتمام لقضية الأمن الغذائي.. ونحن في حاجة إلي تحرك سريع لضمان توفير احتياجات شعوبنا من الغذاء في الحاضر والمستقبل.. خاصة أننا نمتلك الإمكانيات الاقتصادية والفنية لزيادة الاستثمارات الزراعية، والتعامل مع قضية الأمن الغذائي بشكل فعال. إننا في مصر نساند جهود المنظمة لتشجيع الاستثمار في الزراعة بين أعضائها، وندعم مبادرة الأمين العام لعقد منتدي للأمن الغذائي للتعامل مع هذا التحدي، وندعو لتعبئة التمويل اللازم وتوجيهه للاستثمارات الزراعية، ولإنتاج السلع الغذائية الأساسية الاستراتيجية علي وجه الخصوص. وتذكرون أن مصر تقدمت منذ بداية أزمة أسعار الغذاء بمشروع قرار حول سبل التعامل مع التحديات الخاصة بالأمن الغذائي، تم اعتماده من جانب مجلس وزراء الخارجية في دوره ال(35) التي عقدت في كمبالا العام الماضي.. وإنني أتطلع للمزيد من تفعيل ما أوصي به هذا القرار في هذا الشأن المهم. رابعا: إن دقة المرحلة الراهنة تحتاج إلي معالجة فعالة لمشكلة ندرة التمويل في الدول الإسلامية الأقل نموا.. وأشير هنا إلي الدور المحوري الذي تضطلع به مؤسسات التمويل الإنمائية الإسلامية، لمساعدة هذه الدول علي تخطي هذه العقبة من خلال زيادة دعمها المالي لتمويل البرامج الاجتماعية. كما أشير لأهمية مواصلة مساندتنا لمبادرة "الكومسيك" لتحسين مناخ الاستثمار، والأهمية الموازية لدعم التعاون بين أسواق المال في الدول الأعضاء لضمان تدفق رؤوس الأموال فيما بينها.. مع تعزيز الدور الذي تلعبه الصناديق السيادية في تحقيق أهدافنا المشتركة. خامسا: إن التعامل مع كل هذه المحاور وترجمتها إلي نتائج ملموسة لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن خطة واضحة لتنمية مواردنا البشرية، وتطوير الهياكل القائمة لصنع القرار الاقتصادي، بما يعطي للدول الإسلامية دورا أكبر في النظام الاقتصادي والتجاري العالمي. سوف تظل مصر ملتزمة علي الدوام بكل البرامج والقضايا محل اهتمام "الكومسيك" وسوف تستمر الجهود المصرية للتعبير عن تطلع عالمنا الإسلامي للسلام والتنمية.. وسنعمل جاهدين ليصل صوت الأمة الإسلامية قويا وواضحا لمحافل وآليات صنع القرار الاقتصادي الدولي.