أخبار مصر: أول صور للضحايا المصريين بعد مقتلهم بالمكسيك، حقيقة وفاة جورج قرداحي بقصف إسرائيلي، قفزة بسعر الفول وعودة جنون السكر    "زلازل سماوية" تحدث في جميع أنحاء العالم تحير العلماء    8 شهداء فلسطينيين في قصف للاحتلال الإسرائيلي على مخيم النصيرات    حالة الطرق اليوم، اعرف الحركة المرورية بشوارع ومحاور القاهرة والجيزة    أسعار اللحوم والدواجن بسوق العبور اليوم 5 أكتوبر    الجيش السوداني يغير معادلة الحرب.. وترحيب شعبي بتقدم القوات في الخرطوم    بفعل الهجمات الإسرائيلية.. الصحة العالمية: لبنان يواجه أزمة    «مبقاش ليك دور».. هجوم ناري من لاعب الزمالك السابق على شيكابالا    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام فولهام    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. السبت 5 أكتوبر    حالة الطقس في مصر ليوم السبت 5 أكتوبر 2024: تحذيرات من الأرصاد الجوية    حقيقة وفاة الإعلامي اللبناني جورج قرداحي نتيجة الغارات الإسرائيلية    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    مباراة الزمالك وبيراميدز بكأس السوبر المصري.. الموعد والقنوات الناقلة    ابنتي تنتظر اتصاله يوميا، عارضة أزياء تطارد نيمار بقضية "إثبات أبوة"    بعد عودة تطبيق إنستا باي للعمل.. خبير مصرفي يكشف سبب التحديثات الجديدة    ميدو: أكبر غلطة عملها الأهلي هي دي.. والجمهور حقه يقلق (فيديو)    تشكيل الهلال ضد الأهلي في الدوري السعودي    28.4 مليار جنيه قيمة أرصدة التمويل العقارى للشركات بنهاية يوليو    إطلاق مشروع رأس الحكمة.. بوادر الخير    حريق فى عمارة سكنية بدمياط والحماية المدنية تكثف جهودها للسيطرة    اليوم.. محاكمة إمام عاشور في الاعتداء على فرد أمن بالشيخ زايد    تعرف على مواعيد قطارات الصعيد على خطوط السكة الحديد    ضبط المتهم بالاستعراض بسيارة في مدينة 15 مايو    سلوفينيا تقدم مساعدات عينية لأكثر من 40 ألف شخص في لبنان    "إسلام وسيف وميشيل" أفضل 3 مواهب فى الأسبوع الخامس من كاستنج.. فيديو    برج القوس.. حظك اليوم السبت 5 أكتوبر: اكتشف نفسك    أوركسترا القاهرة السيمفونى يقدم أولى حفلات "الموسيقى الغنائية" اليوم بالأوبرا    بلومبيرغ: البنتاجون سينفق 1.2 مليار دولار على الأسلحة بعد هجمات إيران والحوثيين    مصدر يكشف أزمة جديدة قد تواجه الزمالك لهذه الأسباب    رئيس شعبة الدواجن: مشكلة ارتفاع أسعار البيض ترجع إلى المغالاة في هامش الربح    ترامب يطالب اسرائيل بالقضاء على المواقع النووية الإيرانية    سهر الصايغ "للفجر": بحب المغامرة وأحس إني مش هقدر أعمل الدور...نفسي أقدم دور عن ذوي الاحتياجات الخاصة    عاجل - حقيقة تحديث « فيسبوك» الجديد.. هل يمكن فعلًا معرفة من زار بروفايلك؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    حرب أكتوبر.. أحد أبطال القوات الجوية: هاجمنا إسرائيل ب 225 طائرة    صحة المنوفية: تنظم 8365 ندوة على مستوى المحافظة لعدد 69043 مستفيد    الكشف ب 300 جنيه، القبض على طبيبة تدير عيادة جلدية داخل صيدلية في سوهاج    أعراض الالتهاب الرئوي لدى الأطفال والبالغين وأسبابه    الكويت.. السلطات تعتقل أحد أفراد الأسرة الحاكمة    ندى أمين: هدفنا في قمة المستقبل تسليط الضوء على دور الشباب    تفاصيل مرض أحمد زكي خلال تجسيده للأدوار.. عانى منه طوال حياته    عمرو أديب عن مشاهد نزوح اللبنانيين: الأزمة في لبنان لن تنتهي سريعا    عمرو أديب عن حفل تخرج الكليات الحربية: القوات المسلحة المصرية قوة لا يستهان بها    تناولتا مياة ملوثة.. الاشتباه في حالتي تسمم بأطفيح    بعد تعطله.. رسالة هامة من انستاباي لعملائه وموعد عودة التطبيق للعمل    لمدة 12 ساعة.. قطع المياه عن عدد من المناطق بالقاهرة اليوم    الحوار الوطني| يقتحم الملف الشائك بحيادية.. و«النقدي» ينهي أوجاع منظومة «الدعم»    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    «مش كل من هب ودب يطلع يتكلم عن الأهلي».. إبراهيم سعيد يشن هجومًا ناريًا على القندوسي    معتز البطاوي: الأهلي لم يحول قندوسي للتحقيق.. ولا نمانع في حضوره جلسة الاستماع    البابا تواضروس الثاني يستقبل مسؤولة مؤسسة "light for Orphans"    «ممكن تحصلك كارثة».. حسام موافى يحذر من الجري للحاق بالصلاة (فيديو)    عظة الأنبا مكاريوس حول «أخطر وأعظم 5 عبارات في مسيرتنا»    رشا راغب: غير المصريين أيضًا استفادوا من خدمات الأكاديمية الوطنية للتدريب    بمشاركة 1000 طبيب.. اختتام فعاليات المؤتمر الدولي لجراحة الأوعية الدموية    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات هيكل الجزء الخامس والعشرون
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 06 - 2010

أحاول أن أذكر نفسى باستمرار أن التاريخ له عقل، واذا تصورنا أن التاريخ مصادفات تتدفق هكذا بلا وعى، فنحن نقع فى خطأ كبير، وإذا كان التاريخ بلا عقل وتحكمه مصادفات فإن كل شىء وارد والتعداد والتفكير والتأهب والترقب وكل هذا لا داعى له لأنه مجهول ينقض علينا من حيث لا ندرى ويحدث أثره ويغير حياتنا جميعا كما يشاء كأنه عاصفة منقطعة.
وفى واقع الأمر التاريخ له عقل وببساطة لأن التاريخ فى النهاية هو صراع وسباق الأمم والمجتمعات إلى ما تتصوره مصالحها وأمنها وحريتها وتفوقها وهذا ما يصنع التاريخ، وإذا كان هذا مجال صنع التاريخ فإن الذى يحركه القدرة والإرادة المحركة لتفاعل هذه العناصر الأربعة التى عرضتها.
ولا ترتبط بالضرورة القدرة بالقوة، فالقوة عنصر من عناصرها والقدرة تتأتى فى بعض المرات حتى بالتنبه لحرب التاريخ، وأتذكر أننا والهند والصين فى مدة لا تقل عن 7 أو 8 سنوات كنا نقود برنامج الأمم المتحدة بأكمله وكانت الدول الكبرى تنتظر حركة هذه الدول الثلاث.
ليس الموضوع مجرد القوة فالقدرة بها عناصر كثيرة أخرى غير القوة المسلحة، والخطأ هنا يقع مرات ويخلط بين عقل التاريخ وعدل التاريخ، فالقدرة تفعل فعلها وتحرك التاريخ ولكن ليست بالضرورة أن تكون القدرة عادلة.
ولا أحد يستطيع أن يطلب منها العدل إلا بضمانات فالعدل قضية أخرى ويتعلق بشيئين، إما باستعداد طالبى العدل أن يكونوا قادرين وإما بمجتمع دولى يعطى دورا للأخلاق وهو ضرورى فى اعتقادى لكنى لا أظن أن أوله قد جاء وبالتالى ستظل القدرات فاعل أساسى فى حركة التاريخ، وعلينا أن ننظر للعدل ولا نربطه بالقدرة.
وعندما أقول عقل التاريخ وفى ذهنى أن الحوادث المتدافعة تدور وكأنها حوار ولما أطل على الحوادث التى تدور فى هذه الفترة وحرب الاستنزاف دائرة ونحن نستعد لتحرير أرض وتحركات واسعة جدا من بداية العمليات للنشاط السياسى إلى التصعيد ثم إلى التفوق على الجبهة أو ذات مقدرة للعمل على الجبهة.
وإسرائيل ترد عليها بغارات العمق والأمريكان يعطيهم فانتوم، ويفاجئ الجميع بأن هناك تغييرا فى موازين القوة الاستراتيجية فى الشرق الأوسط حدث فى ليبيا وحيث لا يتوقع أحد.
وتستمر حركة التاريخ وكأنها حوار وكأنها سؤال وجواب وكأنها لعبة شطرنج بالفعل، وهناك شىء ما وضرورات ما وقوى فاعلة تتحرك باتجاه ليس عشوائيا، ودائما ما يلفت نظرنا الصوت العالى للحوار ولا نتابع ما يجرى.
وأريد التوقف عند لحظة الحوار وكانت همسة لم يشعر بها أحد إلى حد كبير فما جرى فى ليبيا وقدرته على تغيير موازين خصوصا فى البحر الأبيض والشرق الأوسط وخصوصا فى العمق وفى الاتساع وفى الموارد التى أتاحتها المعركة وكل هذا لفت الأنظار لأنه صوت عال فى التاريخ.
والغريب بعد ذلك جاء صوت آخر ولكن لم يلتفت إليه وهذا الصوت وقع فى السودان فى واقع الأمر، وفى هذا الوقت بعد ليبيا والتصعيد وبعد المواقف الأمريكية، فأرادت قوى أن ترد بشكل ما فى الخرطوم وبشكل ما حدث شىء فى الخرطوم كبير.
التفتنا إليه وقت حدوثه ثم ضاع عن السياق المسموع لحوار التاريخ فى ذلك الوقت وأود التوقف عنده لعدة أسباب لأنه كان نبرة مهمة جدا فى حوار التاريخ والشىء الآخر أنه تصادف أننى كان لى دور فيه وكانت تقريبا طريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولأننى لى دور كان أمامى مسودات الوثائق، بقدر ما يتاح لى مثل الوثائق الأمريكية الإسرائيلية وحتى المصرية.
ولكن فى هذا الحادث لم أجد فقط الوثيقة الخاصة بحركة التاريخ ولكن اهتميت فيما بعد بوجود مسودات، ولولا هذه المسودات لم أكن لأسمح لنفسى بالتحدث فى هذا الموضوع لأن دورى غير موجود فى الوثائق، لكن عملية صنع التاريخ أو صنع القرار كان لى دور بشكل أو بآخر.
نحن لا نتذكر كيف تسير حركة صنع القرار، فحركة صنع القرار فى اعتقادى من أصعب القرارات فى الدنيا، والذى يطل على حركة صنع القرار من الداخل لا يستطيع أن يتخيل كيف وصلنا لهذا القرار يبدو فى النهاية مواد منتظمة بأوامر منتظمة، بموازين منتظمة بقوانين منتظمة وبمعاهدات وبمواثيق دولية.
ولكن كيف صار هذا المنتج النهائى الذى وصل للناس بصورة مقبولة منظمة جاهزة يستغرب جدا، وأتذكر مثل للسياسى الألمانى الكبير بسمارك، وهو من أكبر الأسماء فى السياسة الدولية لأنه مؤسس لهذا النظام العالمى الموجودين فيه وغير شكل أوروبا كلها وكان له كلمة أو وصف يستعمله فهو يقول إن عملية صنع القرار تشبه مصنع من مصانع «السجق»، وقال إنه عند دخول المصنع ستجد أشياء مثل اللحوم وأشياء مختلفة ودماء، وفى النهاية ممكن بعد جهود يدخل فى وعاء يقدم للناس ويأكلوه ويجدونه شهيا.
وبالفعل من يطل على صنع القرار سيجد التشبيه الذى قاله بسمارك صحيحا للغاية لأنه يدخل على عملية صنع القرار أشياء مشوشة وفوضية ولا أحد يتصور كيف تتجمع كل هذه الفوضى غير الخلاقة لتصنع نظام له شكل.
وأنا أذكر بهذه الواقعة المنسية لأنها جملة فى سياق الحوار التاريخى وكان لى دور فيها، وعندى لها مسودات القرار والسبب الرابع أنه لأول مرة يظهر الرئيس حسنى مبارك على شاشة الرادار، بالنسبة لاهتماماتى شخصيا على مسرح الأحداث، واهتميت بهذه الواقعة جدا.
وهذه الواقعة أريد بها أن ترد على بنى غازى والذى لم يستطع أحد مواجهته فى بنى غازى أريد أن يواجه بنوع من العنف فى الخرطوم، وبدت الأحداث فقد سبق الثورة الليبية شىء وقع فى السودان وهو تغيير كبير حدث أطلقوا عليه اسم ثورة مايو.
وأظن أن وقتها أنه كان لها علامة وتأثير ولكن لم يكن يضاهى بما حدث فى ليبيا، بسبب البحر الأبيض والبترول والقواعد الأمريكية الموجودة، والموضوع أخذ صوته فى حوار الحوادث وكان صوتا مسموعا وقويا ومدويا، وما حدث فى الخرطوم ولأنه بعيد جرى تسجيله بشكل ما لكن لم يقع الالتفات إليه لانه لم يكن حدث مهم جدا، وفى سياق الحوادث بعد ذلك أريد توجيه الضربة فى حوار التاريخ الجارى وقبلها فى موسكو كانت هناك خطط وبعد انتهاء زيارات موسكو والانتهاء من مشكلة غارات العمق تقريبا كان هذا هو التوقيت الذى وقع فيه عبدالناصر المشروع الأول لخطة جرانيت واحد التى فيها عبور.
وكانت السودان فى ذلك الوقت عمقا استراتيجيا مهما جدا وهناك طيران كثير موجود، وكانت أى ضربة للخرطوم فى ذلك الوقت ردا على ما يجرى فى حوار التاريخ.
وبدأ ما يجرى فى السودان عملية انقضاض على ثورة السودان أو تمرد أو معارضة بالسلاح وبالعنف وبدت فى وقتها وفى زمنها أنها بالفعل حركة فى مجرى وفى حوار التاريخ، وبدا الامام الهادى المهدى وريث الحركة المهدية فى السودان يدخل فى مواجهة مع النظام ويتمركز فى جزيرة أبا وهى معقل المهدية فى ذلك الوقت ثم يوجه طلبات للرئيس السودانى فى ذلك الوقت وكان صديقا لمصر وما قام به من ثورة مايو اعتبرت إضافة لحركة المقاومة العربية،
ووجه المهدى له الأنظار بتصفية ما قام به ويفرج عن المعتقلين من المهدية والإفراج عن السياسيين وهى عملية تقليدية للانقضاض على نظام انقلابى أو ثورى أو مشروع ثورى وهذا هو السياق التقليدى، وبعضه مشروع والبعض الآخر يبدو وكأنه مسنود من جماعات مسلحة.
وفى ذلك الوقت أتت أخبار أن الإمام المهدى يحشد من الأنصار فى جزيرة أبا ويحشد فى المناطق التى له فيها نفوذ خصوصا فى كردفان ودارفور وقوات مقاتلين وأنهم على استعداد للزحف على الخرطوم وقيل إنه فى جزيرة أبا 35 ألف مقاتل محتشد، وانه هناك عدد يماثلهم تقريبا موجودون يقتربون من منطقة مجرى النيل فى أبا وأنهم يستعدون للزحف على الخرطوم.
وفى ذلك الوقت كان الرئيس نميرى يقوم بجولة عند النيل وهو يعرف أن هناك مشكلات فى هذه المنطقة، فأرسل لمقابلة الهادى، ويستدعيه الأخير لمقابلته فى كوستى، فقال له النميرى إنه على استعداد أن يجيئ له فى جزيرة أبا فرد المهدى ليضمن سلامته فى هذه الحالة واقترح عليه موعدا فى كوستى على مرجى النيل شرط أن تستجيب لكل المطالب التى نتحدث عنها.
وبدأت حشود الأنصار تخرج وتتدفق على مجرى النيل وتعبر النهر وتبدأ فى التقرب للخرطوم وتبدأ بالفعل بالقيام باشتباكات ويكون هناك خطر، ويبدأ جعفر النميرى ومن معه من ضباط من مجلس قيادة الثورة يحولون المواجهة، لكن المعارك بدأت وكان هناك قتلى وجرحى ثم يقترح النميرى أن تساعده مصر بأى طريقة وأن طريقة المساعدة تكون بترتيب الطائرات الموجودة فى الخرطوم أو من مصر وتضرب جزيرة ابا بالطيران وهو الحل الوحيد، وأنه فى حالة عدم حدوث ذلك خلال أيام سيسقط النظام فى السودان.
وهنا وثيقة من وثائقه الرسمية وهنا برقية ارسالها السفير كمال خليل من الخرطوم وهو شقيق الدكتور مصطفى خليل الذى أصبح رئيسا للوزراء فيما بعد، وقال السفير فى برقيته أن النميرى اتصل به الساعة الثامنة والنصف صباحا وطلب مقابلتى على وجه السرعة وأبلغنى أن أبلغ الرئيس فورا بالآتى:
1 أن الموقف فى الجزيرة أبا أصبح سيئا وأن قوات الإمام المسلحة والتى تربو على 35 ألف مقاتل استطاعت الخروج من الجزيرة ابا والنفاذ فى قوات الجيش وقتل أعداد من الجنود.
2 أنه يريد إرسال قوات قاذفة للمعاونة على وجه السرعة وأن مجلس الثورة لا يستطيع السكوت على هذا الوضع الآن.
3 أنه أبلغ ملحقنا العسكرى قبل حضورى بالوضع العسكرى الذى تم حتى الآن.
وكانت ملاحظات السفير أن النميرى كان فى حالة إعياء وكان يركز على أهمية إرسال الطائرات، والموقف بعد اختراق قوات الإمام لقوات الجيش خارج الجزيرة بالاضافة لعددها الكبيرة والأسلحة التى معها، وقلة القوات المكلفة بمواجهتها يجعل الموقف خطرا حيث وجهة قوات الامام هى الخرطوم.
كلفت ثلاث طائرات ميج 21 يقودها طيارين سوفييت بضرب قصر الإمام بالجزيرة واختراق حاجز الصوت فوق قوات الامام.
وعندما جاءت هذه البرقية أحدثت حالة استنفار شديدة جدا فى القاهرة لأنه بدا أنه ما تم عادة فيما بعد نحن نرى فيما بعد القيمة الحقيقية وهذا كان مهما، ولكن ليس بأهمية ما جرى فى ليبيا وكأن ما حدث رد على الثورة الليبية وأن حركة التاريخ تحركها القدرة بصرف النظر عن الأخلاق، وتعمل عملها وتحاول أن تلغى مكاسب قد تحققت فى مرحلة، وفى مكان تلغيها فى مرحلة أخرى وفى مكان آخر ضمن حوار التاريخ المستمر وبالعقل بصرف النظر عن العدل.
وكانت ردة الفعل الطبيعية القلق على الخرطوم، وكانت التعليمات بالقاهرة وأبلغها السفير فى الوثيقة، وطلب مقابلة النميرى لإبلاغه رسالة عبدالناصر، ونص الرسالة كالآتى:
الأخ العزيز النميرى.
تلقيت رسالتكم وإنى على أتم استعداد لإرسال كل ما تطلبونه بدون تحفظ وأصدرت تعليمات بأن تتواجد الطائرات وهيئة عمليات مصغرة فجر اليوم بالخرطوم لتكون تحت تصرفكم ولديهم تعليمات صرحية لتنفيذ أوامركم بالكامل.
قائد المأمورية المصرية وهو الرئيس محمد حسنى مبارك فيما بعد يحمل تعليمات منى سيعرضها عليكم فور وصوله للخرطوم، وأطيب تمنياتى راجيا من الله أن يوفقنا وإياكم فى جميع معاركنا التى نخوضها من أجل الحرية والاشتراكية والوحدة.
وكان يحرك جمال عبدالناصر والذى عرفته فيما بعد عدة أشياء، كان قلقا للغاية على موقع الخرطوم، ألا يضيع وقلقا من أن يقود الروس طائرات قد لا تضرب ولكنها قد يكون لها صوت فى الظرف الدولى الذى كنا فيه ونتذكر قبلها الزيارة السرية لموسكو، وهناك خبراء سوفييت يأتون لنا وخبراء فى الداخل وهم تولوا مسئولية الدفاع عن العمق وتوقفت غارات العمق أو كانت على وشك التوقف فى ذلك الوقت.
وأن يظهر طيارون سوفييت فى ذلك الوقت يقودون طائرتين عربية بصرف النظر عن اتجاهها سواء بضرب الجزيرة أبا أو أنصار مهدى، فهذا كان بالنسبة له وضع يؤدى إلى تصاعد خطير جدا ويؤدى إلى نكسة، وظهور الروس لم يكن صحيحا وقد ناقشت الموضوعات وأعتقد أنه بلغ فيه، وبمعرفتى للسوفييت أنا لا أظن أن هناك محليا فى ذلك الوقت يعطى توجيهات لخبراء سوفييت موجودين فى السودان وأن يكسروا حاجز الصوت.
وحدث وتحرك الموقف وجمال عبدالناصر قرر فعلا إرسال بعثة عسكرية للتدخل فى اليوم التالى وفى ذلك الوقت رأى عبدالناصر أن يدعم مهمة البعثة العسكرية التى ذهبت كمجموعة مقدمة ترتب العمليات وتستعد للعمليات وفيها قاعدة يقودها طيران واضح، والرسائل تأتى فى مسودات بعد ذلك واضحة أن الاستعداد لعملية ضرب جماهير بصرف النظر عن القيادات وكان موضوعا كبيرا.
وكان عبدالناصر يرى إرسال المجموعة العسكرية، ونائب الرئيس وهو أنور السادات ومعه السيد أمين هويدى مدير المخابرات العامة واتصل بمعمر القذافى لتكون المهمة مشتركة للدفاع عن الثورة السودانية المهددة فى الجنوب، ويكون الدفاع مشتركا بين الدول الموجودة والتى كانت تسمى نفسها دول طرابلس والتى اجتمعت كثيرا وهى مصر والسودان وليبيا.
والقذافى كان متحمسا للدفاع عن الثورة السودانية وأنه على أى حال مع نائب الرئيس المصرى سيرسل نائبه عبدالسلام جلود بحيث ان يكون بعثة عسكرية لتباشر تنفيذ العمليات صباح اليوم التالى، وتكون هناك بعثة سياسية فوقها تحاول أن تدير وجهته سياسيا.
وأظن أنها كانت أول مرة يتلاقى أنور السادات وحسنى مبارك فى مهمة من نوع ما، ولولا أننى معى المسودات لم أكن لأستجرى وأتحدث عن ما جرى ولكنى أعرف وأستند لأشياء تسند ما أقوله.
وفى ذلك الوقت مساء كنت عند عبدالناصر لأمر ما آخر، وكنت أتابع ما حدث فى السودان وكانت عناوين صحفنا فى اليوم التالى ولم تكن لدى أدنى فكرة، وتحدث معى عبدالناصر وعن التطورات التى جرت فى السودان، وتحدث معه هاتفيا وانا أمامى نص مكالمة الرئيس لأن كل مكالمات الرئيس الخارجية تسجل.
وكانت مكالمته مع النميرى صريحة للغاية فى الهاتف، وقال له نحن وراءك وأعطيت أمرا لكى يضرب الطيران غدا، وتأتى التقارير، وكان محرز مدير المخابرات على اتصال مع حسنى مبارك، وتلقى منه التقارير خطوة واضحة.
وعندما سمعت من عبدالناصر تهولت الموقف، بأن يتأثر بقراره بما يسمعه من آراء مخالفة له، وأن يعاند مع التاريخ ويسد أذنه لأى نصيحة، وليس معناه أنه يعاندنى أنا ولكن مع حوار التاريخ، ويقال فى صحيفة فى الشارع فى شعار، فالتاريخ فى التعبير عن نفسه باستمرار موجود على ألسنة كثيرة جدا يمكن أن تنطق سواء فى التعبير عنه سواء بحق أو بخطأ أو بصواب أو بطيش الرأى.
وقلت لعبدالناصر: لدى عدة تحفظات وأنا لا أتصوره وأنا أقول ذلك لأنى أول ما خرجت وهنا مسودات التاريخ، أجد أن عبدالناصر يبلغ سامى شرف بإلغاء تعليمات الضرب، ويبلغه ويقول له إن هيكل له رأى مختلف، ورأى هذا الذى قلته من حسن حظى أن يستمع إليه وأن يجد من يتقبله بقدرة رجل دولة، ووجد من يتصرف ويضعه فى اعتباره وهو يتصرف.
وقلت له وقتها أنا لا أتصور ولدى مليون ملاحظة، أولها أنه إذا ضربت الطائرات المصرية أى جماهير سودانية فى أى موقع فإن هذا دم بين الشعب المصرى والشعب السودانى أخشى أنه سوف يؤثر على العلاقات بين الشعبين إلى أبعد مدى يمكن تصوره، وأخشى أيضا لأننى أعرف هذه المنطقة وعملت بها صحفيا فى شبابى ما بين إثيوبيا وتنزانيا وما بين السودان.
ومنطقة منابع النيل ومنطقة مجرى النيل، ومنابع النيل سواء الأفريقية أو مجرى النيل فى السودان أو الهضبات الإثيوبية، وكنت أتابع الناس وهذه منطقة لنا فيها مصالح حيوية ويعرفها ولم يكن يحتاج لأن أقول له، ثم إن هذه المنطقة يستحيل عليها عمل عسكرى فمنابع النيل وممرات النيل تمر وتتقاطع فى سبع دول وهذه مناطق وعرة جدا وبعيدة جدا ونائية جدا وواسعة جدا ومصالحنا فيها حيوية وقوتنا فيها محدودة.
وكان عبدالناصر يقول ذلك وهذه المنطقة على الرغم من وجود مصالحنا الحيوية هناك لكنها لا تدار إلا بوسيلة السياسة، فإذا أدخلنا القوى العسكرية فى هذه اللحظة ونزلت على أبا أو غير أبا فأنا أعتقد أننا نقوم بمبدأ خطير جدا.
والشىء الآخر أننا وفى موقف الأمم المتحدة ونحن لنا قضية تعسف فى استعمال القوة وإسرائيل معززة بالقوة الأمريكية، وإذا لجأنا فى موضوع متعلق بحركة القومية العربية والشعوب العربية ومطالب داخلية سواء كانت لها حق أم لا واستعملنا قوة عسكرية فنحن نقدم للآخرين موقفا على صينية من ذهب.
وفى مرات هناك من يسمع من الساسة ويعقلون ويقدرون ما يسمعونه ولهم أن يقبلوه أو لا يقبلوه لأن شرطة القرار الشرعى عندهم وليست عند غيرهم، ولكن واجبهم أن يسمعوه ويسمعوه باهتمام وأن يأخذوه فى الاعتبار بقدر ما يوجد فى تقديراتهم بالنسبة لاعتبارات أخرى.
وأخذ عبدالناصر فى ذلك الوقت ما قالته ولكن القيمة الهائلة التى قام بها هى اتخاذ قراره وهى الضرب بالطائرات فى اليوم التالى وهناك أوامر سياسية توجه العمليات وليبيا معنا، وبعد أن سمعنى لم يقل لى شيئا، ووصلت مكتبى وتحدث ولم يكن هناك وقتها هناك هواتف محمولة.
ورأى بعض قادة الأنصار أن الإمام الهادى قد يخرج من مناطق نفوذه ويذهب قرب كردفان ودارفور لكن يذهب على مناطق مثل مناطق الشرق فى كسلا وبالفعل خرج الإمام وذهب فى اتجاه كسلا ولما خرج الامام وعرف أنه خرج وبدأ الجيش السودانى يضرب أنصار المهدى بالمدافع ويتصرف بأى طريقة ولكن بعيدة عن الجيش المصرى، وهناك فرق بين أن يتدخل الجيش السودانى ولو حتى خطأ أو تعسف لكن أن يتدخل سلاح مصرى قضية أخرى والحمد لله أنه تم استبعادها.
وما حدث بعد ذلك أن الامام الهادى اتجه ناحية كسلا وأنا أظن أنه يثار اليوم فى السودان وأرى فى صحف السودان، وهناك إعادة بحث وتحقيق لأنه حدث شىء غريب وأن الامام الهادى خرج من جزيرة أبا وذهب لكسلا، واجه واحدة من إحدى الجرائم الغامضة.
وقدمت له سلة فاكهة وأعتقد أنها كانت مانجو وكانت ملغمة وقتل وأظن حتى هذه اللحظة لم يعرف من قاتله وإن كان بعض الاخوان فى السودان شطح بهم الجموح لكنهم كلهم يعرفون أنه ليس هناك مصريون مشتركون فى هذا وبقية جريمة غامضة أضيفت لجرائم غامضة أخرى، ولدينا فى الشرق الأوسط والوطن العربى العديد من الجرائم الغامضة فى كل مكان، وهناك جرائم حتى لن تجد لها حلا إلا شرلوك هولمز ممكن يحلها.
وهذا الموضوع انتهى وتبعثرت الجموع بعد اعلان مقتل الهادى واستطاع الجيش السودانى بعد ذلك اقتحام أبا لكن هذا كان موضوعا آخر.
وأرسل النميرى بعد ذلك جواب شكر لعبدالناصر وكان هناك جدل عن وجود شيوعيين وعندما قرأت الجواب أقريت أن هناك شيوعيين بالفعل وذلك من خصائص الخطاب العقائدى عندما يقال أيها الرئيس.
والأهم فى ذلك أنه قال كنا ندرك أيها الرئيس منذ صبيحة ال25 من مايو أن الاستعمار لن يسكت على هذه الضربة فى أعقاب يونيو 1967، وربط ثورة الجماهيرية الليبية أعطت روافد أخرى ما تنتهى بروافد القومية العربية وحركة المقاومة ضد الاستعمار
حوارات هيكل (الجزء الأول)
حوارات هيكل (الجزء الثاني)
حوارات هيكل (الجزء الثالث)
حوارات هيكل (الجزء الرابع)
حوارات هيكل (الجزء الخامس)
حوارات هيكل (الجزء السادس)
حوارات هيكل (الجزء السابع)
حوارات هيكل (الجزء الثامن)
حوارات هيكل (الجزء التاسع)
حوارات هيكل (الجزء العاشر)
حوارات هيكل (الجزء الحادي عشر)
حوارات هيكل ( الجزء الثاني عشر)
حوارات هيكل (الجزء الثالث عشر)
حوارات هيكل (الجزء الرابع عشر)
حوارات هيكل (الجزء الخامس عشر)
حوارات هيكل (الجزء السادس عشر)
حوارات هيكل ( الجزء السابع عشر)
حوارات هيكل (الجزء الثامن عشر)
حوارات هيكل( الجزءالتاسع عشر)
حوارات هيكل (الجزء العشرون)
حوارات هيكل (الجزء الواحد والعشرون)
حوارات هيكل الجزء(22)
حوارات هيكل الجزء الثالث والعشرون
حوارات هيكل الجزء الرابع والعشرون
.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.