هكذا هي الجماعات السياسية المستترة بالدين، قد تصل الي الحكم عن طريق الانتخابات بسبب غضب المجتمع من أوضاع سياسية معينة، فإذا وصلت وتربعت ترفض الاحتكام الي الانتخابات مرة أخري وتصر علي الاحتفاظ بالسلطة باستخدام وسائل القمع والتسلط بقوة العصابات علي أرزاق الناس وسبل حياتهم. الانتخابات عند هذه التنظيمات مرة واحدة فقط يكسبون فيها وبعدها تختفي الانتخابات التعددية إلي الأبد لتحل محلها المبايعة علي السمع والطاعة واقصاء الآخر والحكم عليه بالإعدام كما حدث في ايران. هذا ما يحدث لسكان قطاع غزة الذين أعطوا أصواتا لحركة حماس في آخر انتخابات نيابية لعلها تساعد في انجاز مخطط وطني يعمل علي سرعة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة، فإذا بها توظف ثقة الناس لمصلحة خطط اقليمية يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني وحده. الصورة الآن أصبحت أكثر وضوحا بالنسبة لسكان قطاع غزة الذين تعرضوا للقهر من ميليشيات حماس التي تتدخل في حرياتهم الشخصية فضلا عن المعيشة الضنك تحت الحصار الإسرائيلي الخانق بسبب سياسات حماس غير الملتفتة الي مصلحة الشعب الفلسطيني بقدر ما هي حريصة علي أجندتها الاقليمية. ولو كان الأمر غير ذلك لرحبت حماس بالاحتكام الي الشارع الفلسطيني منذ بدأ الخلاف مع السلطة الوطنية، أو بعد فشل حكومة الوحدة الوطنية في الاتفاق علي وسيلة فعالة لاخراج القرار الفلسطيني من أزمته، ولكن حماس ظلت ترفض كل مقترحات الاحتكام إلي الشعب لانهاء الازدواجية التي عطلت القرار الفلسطيني ومصالح الشعب. السؤال الذي يتبادر الي الأذهان الآن هو: لماذا الآن يدعو رئيس السلطة إلي الانتخابات؟ ألم يكن في وسعه الانتظار للاتفاق مع حركة حماس حتي يصبح إجراء الانتخابات في قطاع غزة ممكنا من الناحية العملية ؟ وهل محمود عباس غيرخائف من الانتخابات بينما حماس خائفة منها لدرجة المماطلة بشأنها حتي رفض التوقيع علي المصالحة؟ رغم ما قد تحمله الانتخابات من مفاجآت، قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس تنظيم الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية في 24 يناير المقبل في جميع الأراضي الفلسطينية، فيما اعتبرت حماس هذه الخطوة غير دستورية. الواضح أن عباس يفضل خوض مخاطر الانتخابات علي استمرار الشلل الحالي في مركز اتخاذ القرار الفلسطيني، والذي أعطي حركة حماس ميزة التحكم في القرار من موقع المعارضة لأي تحرك ايجابي من جانب السلطة الوطنية، بينما تخاف حماس من خوض انتخابات قد تؤدي الي طردها من قطاع غزة، فضلا عن المصالح الاقليمية التي تحرص علي بقاء حماس في غزة مهما كان الثمن. قال عباس للصحفيين في شرحه لحتمية الدعوة الي الانتخابات "إننا مجبرون طبقا للنظام الأساسي الفلسطيني علي إصدار مرسوم رئاسي قبل 25 اكتوبر الجاري لتحديد موعد الانتخابات، وهو ما نعتزم عمله بالفعل بحيث يتم إجراء الانتخابات قبل الخامس والعشرين من يناير المقبل ، ويتعين وفق النظام الأساسي تحديد الموعد قبل ثلاثة أشهر من انتهاء ولاية المجلس التشريعي الحالي. في حال لم يصدر عباس هذا المرسوم قبل الخامس والعشرين من الشهر الحالي فان فراغا دستوريا سينشأ في الاراضي الفلسطينية مباشرة بعد انتهاء ولاية المجلس التشريعي ومعها ولايته، إذ إن النظام الاساسي ينص علي تحديد موعد الانتخابات قبل ثلاثة أشهر من انتهاء ولاية المجلس التشريعي. قال عباس أيضا " إذا تم الاتفاق علي المصالحة وإنهاء الانقسام فإننا سنصدر مرسوما آخر بإجراء الانتخابات في 28 يونيو المقبل حسب الاقتراح المصري بإرجاء موعد الانتخابات ستة أشهر. الموعد اذن له ضرورة تفرضها نصوص الدستور الفلسطيني، لكن حماس لا يعنيها ذلك بقدر ما يعنيها أن يظل قطاع غزة خاضعا لحكمها المباشر لتصرخ بين الحين والآخر من الحصار وتطالب بفتح معبر رفح لانقاذ شعب غزة دون أن تفعل شيئا ايجابيا لتحريك الموقف لمصلحة سكان القطاع المحاصر. لقد رفضت حركة حماس الاعتراف بشرعية الرئيس الفلسطيني بعد قرار تمديد المدة الرئاسية في يناير الماضي عاما واحدا لتوحيد موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية ، وظلت تتهمه طول الوقت بأنه رئيس غير شرعي لتعطي نفسها الحق في التشكيك والاعتراض علي أي خطوة من شأنها تنظيم ودعم القرار الفلسطيني. الازدواجية في مواعيد الانتخابات أفرزت انتخاب الرئيس عباس رئيسا للسلطة انتخابا مباشرا من الشعب، ثم تم انتخاب أغلبية من حماس في المجلس التشريعي مناوئة لسياسات الرئيس عباس وما يمثله من سياسة يمكن التعامل معها علي المستوي الدولي، وبقية القصة معروفة، حدث اضطراب في مركز صنع القرار الفلسطيني، رفض المجتمع الدولي التعامل مع حكومة تديرها حماس لأسباب قد نتفق معها وقد نختلف ولكن المحصلة هي تعثر المصالح الفلسطينية من كل الجوانب. الحل الطبيعي للموقف المعقد احتراما لرأي الشعب الفلسطيني وارادته الديمقراطية أن يحاول الجانبان إدارة ائتلاف يدير الأمور، فاذا تعثرت عاد الجميع الي الشعب مرة أخري يطلب علاجا للموقف من خلال انتخاب رئيس ومجلس تشريعي يمكن التعايش بينهما. بدلا من العودة للشعب قررت حماس الاستيلاء علي قطاع غزة بالقوة ضاربة عرض الحائط بكل مايمثله فصل القطاع عن الضفة من خطأ استراتيجي فادح، لم تقبل أي شرح ورفضت كل المحاولات المضنية لانهاء الانقسام بالانتخابات أو بالتوافق ظنا منها أنه من خلال سيطرتها علي قطاع غزة ومع حرص مصر وجهود عربية أخري تدعم المصالحة الوطنية فانها - أي حماس - تتحكم في الموقف وتفرض شروطها وتفسيراتها ورؤيتها لما هو شرعي وما هو غير شرعي. الأمور في النهاية ستئول للشعب ليقرر أي حكومة شرعية يريدها، ولو أنصف الرئيس الفلسطيني لوفر لتلك الانتخابات، سواء جرت في ظل مصالحة أو بدونها، جميع الضمانات العربية والدولية لتكون حجة للجميع علي الجميع، ومخرجا للشعب الفلسطيني من أزمته التي طالت أكثر من اللازم.