يا أهل روما - كما في النداء الامبراطوري القديم - صار لديكم هذا العام مهرجان يضاف للمهرجانات السابقة فهو مهرجان فريد من نوعه ليس له مثيل في عواصم العالم القديمة والحديثة، مهرجان له صبغة قومية وطنية يمتد علي مدار العام ويغطي كل المديريات بالإضافة للعاصمة وقطائعها المختلفة، هليوبوليس ومنف القديمة وميدان الملوك وساحة الشعب وكل المدن والقري والواحات والساحات والسواحل والمداخل، إنه مهرجان القمامة؟! ليست هناك دعوات للحضور ولا المشاركة فالكل يساهم في المهرجان بما لديه من قمامة فقط يضعها علي باب بيته أو في عرض الطريق أو بجوار حوائط المدرسة ودور العبادة والمستشفيات والمحطات وكل المباني التابعة للدولة أو التي تتبع الغير وفي جميع الحدائق العامة والأراضي الفضاء حتي لا يبقي مكان دون قمامة في هذا المهرجان الدائم الكبير؟!! الدعوة عامة للجميع من المواطنين المقيمين والوافدين ومن أصحاب العدسات والصفحات، يرعي المهرجان عدد من المسئولين عن التصريحات والاجتماعات وبعض الشركات والمؤسسات والمجموعات ذات الأسهم والسندات وكذلك رواد البنوك والبورصات تماماً مثل مهرجانات القراءة والمسرح والسينما، ولقد تفوق علي نظائره في الخارج ومن بينها مهرجان الطماطم حيث يتبادل الجمهور قذف الطماطم الحمراء الطازجة علي بعضهم البعض أو مهرجان العنب أو مهرجانات مساحيق الألوان ومهرجان كان وفنيسيا وقرطاج وكل تلك المهرجانات الأجنبية التي عمرها يوم واحد أو أسبوع بعكس مهرجان القمامة الممتد منذ العصور القديمة وحتي يومنا هذا، المهرجان الدائم للقمامة في دورته هذا العام بدأ خلال شهر رمضان وفي محافظة الجيزة ثم القاهرة الكبري مع المشاركات المقامة في كل المحافظات ومدن وقري مصر، المهرجان الدائم للقمامة يعد من أكبر المهرجانات الشعبية التي يشارك فيها كل الناس حسب قدراتهم وإمكاناتهم منهم من يساهم ببقايا السجائر ومنهم من يشارك بنفايات المنازل والمحلات بل منهم من يتطوع بتقديم فضلات ذبح الدواجن والماشية والأسماك ومخلفات شم النسيم وعيد الأضحي، كما يدعم المهرجان أصحاب المطاعم ومحلات العصير ومحلات الحلاقة والمقاهي وبالطبع ربات البيوت ومخلفات الهدم والترميم ولا تقل لي إن النظافة من الإيمان فذلك الشعار للكتابة علي الحائط أو الورق دون تطبيق، ولا تقل لي إن إماطة الأذي عن الطريق صدقة لأن تلك المقولة تصدر عن شيوخ الحكومة الرسميين المرفوضين تبعاً للانتماء الحزبي ولا تقل لي قصة البغلة التي عثرت في حجر بالطريق في العراق قديماً ومسئولية القنوات الشرعية عن ذلك؟ من المعروف عالمياً أن معدلات القمامة هي نصف كيلو جرام يومياً ولكننا في مصر ننتج أربعة أضعاف ذلك، كما أن نوعية ومكونات القمامة في مصر تختلف عن الدول الأوروبية، في الخارج لا يتعدي الجزء الرخو من القمامة حجماً محدوداً ولكن البقية هي مخلفات صلبة نسبياً من بينها الزجاجات الفارغة والبلاستيكية والورق، كل تلك المخلفات الصلبة يتم تدويرها فوراً إلي أشياء يعاد استخدامها ولها عائد مادي ملموس، القضية هنا هي الخلط السيئ بين الرخو والصلب وعدم الفصل بينهما منذ البداية ولذلك حينما يكون هناك مجال للحديث في بعض ندوات البيئة أقول إن الحل سهل وبسيط وهو تخصيص لون محدد لكل صنف ويتم التخلص من القمامة الرخوة يومياً أما الصلبة يمكن ابعادها يوماً بعد يوم أو حتي كل أسبوع، من التجارب القديمة الناجحة في مصر لقضية القمامة والتي عاصرتها أول الستينيات ما فعله المحافظ الراحل حمدي عاشور في الإسكندرية في أحد الأحياء الشعبية الشهيرة التي كانت تشتهر بحظائر الماشية من أجل تجميع ألبانها للتوزيع، قام الرجل بعمل حملة نظافة ليوم واحد يشترك فيها طلبة المدارس الثانوية والجامعة مع عمال النظافة وبرعايته الفعلية والتي أسفرت عن القضاء علي المشكلة بشكل نهائي مع حملة توعية للمواطنين ساهمت فيه مديرية الصحة وهيئة الاستعلامات، أم التجربة الثانية فلقد كان بطلها المحافظ الراحل وجيه أباظة في مدينة دمنهور التي كان كل مواطنيها يشتكون من تلال القمامة مع وجود البرك التي تكونت من الصرف غير الصحي، وكان الحل بسيطاً وفورياً ساهمت فيه إدارة مرور البحيرة التي طلبت من أصحاب وسائقي سيارات النقل الراغبين في تجديد الرخصة التطوع بنقل تلك القمامة لخارج المدينة مرة واحدة فقط أثناء إجراءات التجديد لصلاحية الرخصة أو حمل تكليفه بنقل الردم المطلوب لتلك البرك وفي خلال أسبوع واحد فقط انتهت المشكلة وبدأ فوراً في زراعة الحدائق والشوارع بشكل حضاري لم يكن موجوداً من قبل. من الحكايات غير المعلنة أن قضية القمامة كانت محل دراسة لأحد بيوت الخبرة الإنجليزية في أول الثمانينيات وبعد جمع المعلومات عن كيفية التعامل مع المشكلة في الماضي توصل الاستشاريون إلي إن أفضل الأساليب هو الأسلوب القديم الذي يتكون من صبية يجمعون القمامة من أمام أبواب الشقق والبيوت ثم نقلها في العربات ذات الحمار إلي أماكن الفرز وبعدها يتم تدوير كل صنف بما يناسبه؟! التعامل مع القمامة يتم بشكل غير حضاري بالمرة، الدليل علي ذلك أنه عندما بدأت الشركات الأجنبية في العمل كان التخطيط علي جمع ونقل القمامة والاستفادة من المكونات ولكن صارت هناك تجارة وصناعة لكل من هب ودب في فرز تلك القمامة علناً وعلي قارعة الطريق وتصنيفها فورياً أمام بصر كل المواطنين مما زاد الطين بلة، أضف لهذا الرفض من كل مواطن لتواجد صندوق القمامة بالقرب من باب منزله أو محله لهذا نجد أن القمامة مفروشة في عرض الطريق بل وتتراكم كل لحظة وربما ألقي سائق السيارة الخنزيرة كيسًا من الزبالة في الشارع، وعلي ذكر الخنازير يقول الناس إنه كانت تستهلك كل الجزء الرخو من القمامة في الدويقة والمقطم وغيرهما ولكن بعد مذبحة الخنازير البحرية لم تجد القمامة من يستهلكها، أبقينا علي الزبالة وقتلنا كل الخنازير ومازلنا في انتظار العدوي من أيهما؟!