بدأ الرئيس مبارك بالأمس رحلة جديدة إلي مجموعة مختلفة من الدول الأوروبية، دول تنتمي إلي فئة مميزة في الساحة الأوروبية وعلي المسرح العالمي.. فبغض النظر عن إيطاليا التي يختتم بها الرئيس جولته لأسباب تقليدية مفهومة.. فإن المجر وكرواتيا وسلوفينيا تنتمي إلي القائمة التي نتجت عن تطورات ما بعد نهاية الحرب الباردة.. وسقوط الاتحاد السوفيتي.. مجموعة الدول الشرقية التي انضمت مؤخرا إلي الاتحاد الأوروبي. وبخلاف كونها تمثل قوي جديدة صاعدة علي المسرح السياسي الأوروبي.. فإن هذه الفئة تتميز بأنها حققت تحولات رهيبة خلال العشرين عاما الماضية.. لم يخل أغلبها من اضطرابات.. أدت في المجمل إلي استقرار.. ومن ثم إلي بزوغ العديد منها كقوي اقتصادية يانعة.. وواعدة.. ولا يقل أهمية عن ذلك كون تلك الدول أصبحت اصواتا مؤثرة في توجهات الاتحاد الأوروبي علي المستوي السياسي.. ولو كان مجرد تأثير غير مشكل للاتجاهات إلا أنه موجود. إن هذه الزيارة التي يقوم بها الرئيس إلي هذه الدول الثلاث كانت مقررة قبل أشهر.. ولكنها تكتسب أهمية إضافية بعد معركة التصويت علي الترشيحات في اليونسكو.. فبغض النظر عن ملابساتها المتنوعة.. فإن من الضروري أن تبقي الجسور ممتدة مع جميع الدول في مختلف التشكيلات السياسية العالمية.. وبما في ذلك ما يوجب مراعاة أن طبيعة الاتحاد الأوروبي تعطي فرصة رئاسته لمدة ستة أشهر لكل عضو فيه.. فضلاً عن تناثر السياسيين التابعين لتلك الدول وغيرها في بنية تنظيمات الاتحاد.. ولدي مصر علاقات وثيقة به ومصالح متنوعة معه. غير أن الهدف الأهم للرحلة التي يقوم بها الرئيس، في ضوء ما صرح به السفير سليمان عواد المتحدث باسم الرئاسة حين ركز علي أولوية الاستثمار، يعود في الأساس إلي أسباب اقتصادية.. وهو ما يرسخه ارتفاع نسبة المكون الاقتصادي في الوفد المرافق للرئيس في رحلته.. فهو يصطحب معه بخلاف وزير الخارجية ورئيس المخابرات ورئيس ديوان رئيس الجمهورية.. كلاً من وزيري الاستثمار والتجارة والصناعة.. ويتضمن جدول الرحلة لقاءات مختلفة علي مستوي الأعمال.. حيث سوف يعطي الرئيس دفعة قوية لمجالات التعاون الاقتصادي والمالي مع تلك الدول. المجر التي يبدأ بها الرئيس جولته، وهي نقطة انطلاق الهدف منها، تمثل نموذجاً للصعود الاقتصادي علي الرغم من المعاناة التي ألمت بها نتيجة للآثار المتتالية للأزمة المالية الدولية.. إلي الدرجة التي دفعتها لأن تقترض من صندوق النقد الدولي 25 مليار دولار لكي تواجه الأزمة وتصد تبعاتها.. إلا أنها تتميز بأرقام ذات دلالة حقيقية تجعلها من بين المقاصد الواجب الاهتمام بها علي المستويين التجاري والاستثماري. يبلغ الناتج المحلي المجري 205 مليارات دولار.. وفي حين ضربت الأزمة الدولية معدل نموها بحيث أصبح سلبياً (-1.5٪) إلا أن الفرد المجري يتميز بمستوي مرتفع.. إذ يبلغ نصيبه 19.8 ألف دولار.. وبينما تستورد المجر من الخارج بضائع ب 107 مليارات دولار فإنها تصدر ب 109 مليارات دولار.. ولا داعي لذكر حجم التبادل التجاري بين مصر والمجر، فهو لا يزيد علي 13 مليون دولار صادرات مصرية و279 واردات مجرية إلي مصر.. وهي أرقام لا شك أنها سوف تتضاعف خلال الفترة التالية لزيارة الرئيس. لكن الأهم يكمن في أن المجر من الدول التي تتميز بكونها ذات توسعات نسبية استثمارية خارجية.. والأرقام تقول إن لديها استثمارات خارجية ب 80 مليار دولار.. ليس منها في مصر سوي 26 مليون دولار.. والرقم بالطبع تهدف جولة الرئيس إلي زيادته وفتح الفرص أمام الأموال المجرية لكي تكون مصر من مقاصدها الخارجية. ومن المؤكد أن الاستهداف المصري لهذه الأسواق غير المطروقة ينبني علي مؤشرات عديدة.. ولعل من بينها تزايد الاهتمام الاقتصادي الدولي بالمجر.. ومن بينها ارتفاع إقبال شركات دولية كبري مثل سوزوكي وأوبل وأودي وبرتش بتروليم وفودافون وإن أي سي.. ولدي الشركات الأجنبية استثمارات في المجر بلغت حسب آخر الإحصائيات 152 مليار دولار. الملاحظ في هذا السياق أن الأولوية الاقتصادية تحظي بقدر كبير من الاهتمام في الرحلات الرئاسية المتوالية.. سواء علي مستوي بناء الجسور التي تعضد وتعطي الدفعة للتعاون الاقتصادي.. أو علي مستوي الحديث المباشر حول المسائل الاقتصادية المبنية علي مصالح متبادلة.. أو بهدف توطيد الصداقات المؤثرة في القرار الاقتصادي الاقليمي الذي تكون الدولة هدف الزيارة أحد مكوناته. ومن يراجع جدول أعمال الزيارات الرئاسية علي الأقل منذ زار الهند وجنوب أفريقيا مروراً بزيارة الولاياتالمتحدة وغيرها من المقاصد سوف ينتبه إلي الأولوية الاقتصادية التي تحظي بمكانة رفيعة في اهتمامات منظومة العمل التي يديرها الرئيس. ولا ينبغي أن نغفل في هذا السياق الأهمية المتزايدة لبناء موقف عالمي تسوقه مصر بخصوص التعامل مع الأزمة المالية والاقتصادية الدولية.. ولدي المجر متاعبها في هذا السياق.. ولا شك أن الحوار حول ذلك بين الرئيس ورئيس المجر سوف تكون له تأثيراته. ونكمل غداً [email protected] www.abkamal.net