5 صور ترصد زحام طلاب الثانوية العامة داخل قاعات مكتبة الإسكندرية    جداول تنسيق القبول بمدارس الثانوى الفنى الصناعى والتجارى والفندقى بالجيزة .. تعرف عليه    البيت الأبيض: سوليفان أكد لجالانت دعم واشنطن الثابت لأمن إسرائيل    جولر يقود تشكيل تركيا ضد التشيك فى يورو 2024    الرئيس الإيراني الأسبق روحاني يدعم مرشحًا معتدلًا قبل الانتخابات    مباشر يورو 2024 - تركيا (0)-(0) التشيك.. انطلاق المباراة    تفاصيل عرض برشلونة لخطف جوهرة الدوري الإسباني    بالأسماء.. مصرع 6 أشخاص وإصابة 3 في حادث تصادم ب"زراعي البحيرة"    مصرع طالبة سقطت من الطابق الرابع بالعجوزة    التعليم تعلن نتيجة امتحانات الدور الأول للطلاب المصريين بالخارج    قبل انطلاقها.. مسرحية "ملك والشاطر" ترفع شعار "كامل العدد"    على أنغام أغنية "ستو أنا".. أحمد سعد يحتفل مع نيكول سابا بعيد ميلادها رفقة زوجها    "يا دمعي"، أغنية جديدة ل رامي جمال بتصميم كليب مختلف (فيديو)    هل يجوز الاستدانة من أجل الترف؟.. أمين الفتوى يجيب    حكم استرداد تكاليف الخطوبة عند فسخها.. أمين الفتوى يوضح بالفيديو    سماجة وثقل دم.. خالد الجندي يعلق على برامج المقالب - فيديو    بالفيديو.. أمين الفتوى: العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة عليها أجر وثواب    في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات- هل الأدوية النفسية تسبب الإدمان؟    القوات المسلحة تنظم مؤتمراً طبياً بعنوان "اليوم العلمى للجينوم "    صندوق النقد الدولي يقر بتمويل 12.8 مليون دولار للرأس الأخضر    الرئيس السيسي يوقع قوانين بربط الحساب الختامي لموازنة عدد من الهيئات والصناديق    «قطاع الآثار»: فيديو قصر البارون عار تمامًا من الصحة    أزمة جديدة تواجه شيرين عبد الوهاب بعد تسريب 'كل الحاجات'    عضو المجلس التصديري للصناعات الغذائية : مستوردون من أمريكا أعلنوا نيتهم استيراد التمور المصرية    بشرى لطلاب الثانوية العامة.. مكتبة مصر العامة ببنها تفتح أبوابها خلال انقطاع الكهرباء (تفاصيل)    وزير الرى يدشن فى جنوب السودان مشروع أعمال التطهيرات بمجرى بحر الغزال    فاشل وكاذب .. الموقف المصري : عطش مطروح يكشف تدليس السيسي عن تحلية المياه    لماذا يقلق الغرب من شراكة روسيا مع كوريا الشمالية؟ أستاذ أمن قومي يوضح    نجاح كبير للشركة المتحدة فى الدراما.. 125 عملا بمشاركة 12 ألف فنان و23 ألف عامل "فيديو"    كيف يؤثر ارتفاع درجات الحرارة على الرحلات الجوية؟.. عطَّل آلاف الطائرات    مساعد وزير البيئة: حجم المخلفات المنزلية يبلغ نحو 25 مليون طن سنويا    بتكلفة 250 مليون جنيه.. رئيس جامعة القاهرة يفتتح تطوير مستشفي أبو الريش المنيرة ضمن مشروع تطوير قصر العيني    17 ميدالية حصيلة منتخب مصر في كأس العالم لرفع الأثقال البارالمبي    المشدد 15 سنة لصاحب مستودع لاتهامه بقتل شخص بسبب مشادة كلامية فى سوهاج    كيف يؤدي المريض الصلاة؟    اخوات للأبد.. المصري والإسماعيلي يرفعان شعار الروح الرياضية قبل ديربي القناة    «مياه كفر الشيخ» تعلن فتح باب التدريب الصيفي لطلاب الجامعات والمعاهد    خبير شئون دولية: فرنسا الابن البكر للكنيسة الكاثوليكية    «التمريض»: «محمود» تترأس اجتماع لجنة التدريب بالبورد العربي (تفاصيل)    عرض رسمي.. نادِ سعودي يفتح مفاوضات ضم أليو ديانج    وزيرة البيئة تتابع حادث شحوط مركب سفاري بمرسى علم    الصحة: استجابة 700 مدمن للعلاج باستخدام برنامج العلاج ببدائل الأفيونات    شديد الحرارة رطب نهارًا.. الأرصاد تكشف عن حالة الطقس غدا الخميس    لجنة القيد بالبورصة توافق على الشطب الإجبارى لشركة جينيال تورز    القمع والإذلال.. حقيقة الأوضاع داخل السجون    الإعدام لثلاثة متهمين بقتل شخص لسرقته بالإكراه في سوهاج    موعد مباراة البرازيل وباراجواي في بطولة كوبا أمريكا 2024.. والقنوات الناقلة    مختار مختار: عدم إقامة مباراة القمة خسارة كبيرة للكرة المصرية    ختام دورة "فلتتأصل فينا" للآباء الكهنة بمعهد الرعاية    تعيين 4 أعضاء جدد في غرفة السلع والعاديات السياحية    فحص 764 مواطنا فى قافلة طبية مجانية بقرى بنجر السكر غرب الإسكندرية    هل يجوز الرجوع بعد الطلاق الثالث دون محلل؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    الأكاديمية الطبية تفتح باب التسجيل في برامج الماجستير والدكتوراة بالمعاهد العسكرية    احتفالات 30 يونيو.. باقة من الأغنيات الوطنية تستقبل جمهور «الإنتاج الثقافي»    «حلو بس فيه تريكات».. ردود فعل طلاب الثانوية الأزهرية بقنا عقب امتحان النحو    الجريدة الكويتية: هجمات من شتى الاتجاهات على إسرائيل إذا شنت حربا شاملة على حزب الله    المحامين تضع شروط جديدة لقبول القيد بها.. تعرف عليها    نجم الزمالك السابق: الدوري «بايظ» والتحكيم فاشل.. وقرار الانسحاب أمام الأهلي «غلط»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص الحكم التاريخي للمحكمة الدستورية بمنع النقاب في المدارس

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 18 مايو 1996 الموافق 30 ذو الحجة 1416ه برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد ولي الدين جلال ونهاد عبدالحميد خلاف وفاروق عبدالرحيم غنيم وعبدالرحمن نصير والدكتور عبدالمجيد فياض ومحمد علي سيف الدين، وحضور السيد المستشار الدكتور حنفي علي جبالي رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد حمدي أنور صابر أمين السر أصدرت الحكم الآتي:
في القضية المقيدة بجداول المحكمة الدستورية العليا برقم 8 لسنة 17 قضائية دستورية المحالة من محكمة القضاء الإداري بالحكم الصادر عنها في الدعوي رقم 21 لسنة 49 قضائية المقامة من السيد: محمود سامي محمد علي واصل بصفته وليا طبيعيا علي ابنتيه مريم وهاجر ضد: السيد وزير التعليم والسيد مدير مديرية التعليم بالإسكندرية والسيدة مديرة مدرسة إيزيس الثانوية بنات بالسيوف.
المحكمة
بعد الاطلاع علي الأوراق، والمداولة حيث إن الوقائع حسبما يبين من صحيفة الدعوي وسائر الأوراق تتحصل في أن السيد محمود سامي علي واصل كان قد أقام أمام محكمة القضاء الإداري بالاسكندرية وبصفته وليا طبيعيا علي ابنتيه مريم وهاجر الدعوي رقم 21 لسنة 49 قضائية ضد وزير التعليم طالبا فيها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي الصادر بالامتناع عن قبول ابنتيه هاتين بإحدي المدارس الثانوية، وقال شرحا لدعواه انه كان قد توجه بهما إلي مدرسة إيزيس الثانوية للبنات بالسيوف، إلا أنه فوجئ بطردهما منها تأسيسا علي صدور قرار من وزير التعليم يمنع الطالبة المنتقبة من دخولها بالمخالفة لحكم المادتين 3و41 من الدستور التي تنص أولاهما: علي أن الاسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي لكل تشريعاتها وتكفل ثانيتهما: صون الحرية الشخصية وتحول دون المساس بها، وقد قضت محكمة القضاء الإداري وأثناء نظرها الشق العاجل من الدعوي أولا: بقبول الدعوي شكلا أو بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من منع ابنتي المدعي من دخول مدرستهما منتقبتين، وألزمت الإدارة المصروفات وأمرت بتنفيذ الحكم بموجب مسودته بغير إعلان.
ثانيا: إحالة الأوراق إلي المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدي دستورية قرار وزير التعليم رقم 113 لسنة 1994 والمفسر بالقرار رقم 208 لسنة 1994 وأقامت محكمة القضاء الإداري قضاءها علي أن القرار المطعون فيه، قد صدر استنادا إلي قرار وزير التعليم رقم 113 لسنة 1994 الصادر في 1994/8/17 متضمنا تحديد هيئة الزي المدرسي من حيث لونه وشكله ومكوناته، ومفسرا بمقتضي قراره رقم 208 لسنة 1994 وإن الفصل فيما إذا كان هذان القراران وقد انطويا علي قواعد عامة مجردة يخلان بحرية العقيدة التي كفل الدستور اصلها بنص المادة 46، مما يدخل في ولاية المحكمة الدستورية العليا دون غيرها، لتكون كلمتها في شأن اتفاقهما أو تعارضهما مع الدستور، قولا فصلا، مما يقتضي احالة الأوراق إليها وعملا بالبند أ من المادة 29 من قانونها وذلك للفصل في دستورية هذين القرارين.
وحيث إن البين من قرار وزير التعليم رقم 113 لسنة 1994 المشار إليه أنه نص في مادته الاولي علي أن يلتزم تلاميذ وتلميذات المدارس الرسمية والخاصة، بارتداء زي موحد.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا مطرد علي أن ما نص عليه الدستور في مادته الثانية بعد تعديلها في سنة 1980 من أن مبادئ الشريعة الاسلامية هو المصدر الرئيسي للتشريع إنما يتمحض عن قيد يجب علي كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية أن تتحراه وتنزل عليه في تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل ومن بينها أحكام القرار رقم 113 لسنة 1994 المفسر بالقرار رقم 208 لسنة 1994 الطعون عليهما فلا يجوز لنص تشريعي، أن يناقض الاحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها باعتبار أن هذه الاحكام وحدها هي التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعا لانها تمثل من الشريعة الاسلامية مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي لاتحتمل تأويلا أو تبديلا.
ومن غير المتصور بالتالي أن يتغير مفهومها تبعا لتغير الزمان والمكان، إذ هي عصية علي التعديل، ولايجوز الخروج عليها أو الالتواء بها عن معناها، وتنصب ولاية المحكمة الدستورية العليا في شأنها علي مراقبة التقيد بها وتغليبها علي كل قاعدة قانونية تعارضها ذلك أن المادة الثانية من الدستور تقدم علي هذه القواعد، أحكام الشريعة الاسلامية في أصولها ومبادئها الكلية، إذ هي اطارها العام، وركائزها الاصيلة التي تفرض متطلباتها دوما بما يحول دون اقرار أية قاعدة قانونية علي خلافها والا اعتبر ذلك تشهيا وانكارا لما علم من الدين بالضرورة، ولا كذلك الاحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معا ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ولا تمتد لسواها وهي بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها وحيويتها ولمواجهة النوازل علي اختلافها تنظيما لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعا ولا يعطل بالتالي حركتهم في الحياة، علي أن يكون الاجتهاد دوما واقعا في اطار الاصول الكلية للشريعة بما لايجاوزها ملتزما ضوابطها الثابتة، فالآراء الاجتهادية في المسائل المختلف عليها ليس لها في ذاتها قوة متعدية لغير القائلين بها، ولايجوز بالتالي اعتبارها شرعا ثابتا متقررا لايجوز أن ينقض والا كان ذلك نهيا عن التأمل والتبصر في دين الله تعالي، وإنكارا لحقيقة ان الخطأ محتمل في كل اجتهاد وتلك هي الشريعة الاسلامية في اصولها ومنابتها متطورة بالضرورة نابذة الجمود لايتقيد الاجتهاد فيها وفيما لا نص عليه بغير ضوابطها الكلية، وفي هذا الاطار اعلي الاسلام قدر المرأة، وحضها علي صون عفافها، وامرها بستر بدنها عن المهانة والابتذال، لتسمو المرأة بنفسها عن كل ما يشينها أو ينال من حيائها، وعلي الأخص من خلال تبرجها، أو لينها في القول، أو تكسر مشيتها، او من خلال اظهارها محاسنها اغواء لغيرها، أو بابدائها ما يكون خافيا من زينتها، وليس لها شرعا أن تطلق ارادتها في اختيارها لزيها، ولا أن تقيم اختيارها هذا بهواها، ولا أن تدعي تعلق زيها بدخائلها، بل يتعين أن يتسقيم كيانها، وأن يكون لباسها عونا لها علي القيام بمسئوليتها في مجال عمارة الارض، وبمراعاة ان هيئة ثيابها ورسمها، لا تضبطهما نصوص مقطوع بها سواء في ثبوتها أو دلالتها، لتكون من المسائل الاختلافية التي لا ينغلق الاجتهاد فيها، بل يظل مفتوحا في اطار ضابط عام حددته النصوص القرآنية ليخرج لباس المرأة بذلك عن أن يكون من الامور التعبدية التي لا تبديل فيها، بل يكون لولي الامر السلطة الكاملة التي يشرع بها الاحكام العملية في نطاقها، تحديدا لهيئة ردائها أو ثيابها علي ضوء ما يكون سائدا في مجتمعها بين الناس مما يعتبر صحيحا من عاداتهم وأعرافهم التي لا يصادم مفهومها نصا قطعيا، بل يكون مضمونها متغيرا بتغير الزمان والمكان، وان كان ضابطها ان تحقق الستر بمفهومه الشرعي، ليكون لباس المرأة تعبيراً عن عقيدتها.
وحيث ان تنازع الفقهاء فيما بينهم في مجال تأويل النصوص القرآنية، وما نقل عن الرسول من احاديثه صحيحها وضعيفها، وان آل الي تباين الآراء في شأن لباس المرأة، وما ينبغي ستره من بدنها، إلا ان الشريعة الاسلامية - في جوهر احكامها وبمراعاة مقاصدها - تتوخي من ضبطها لثيابها، أن تعلي قدرها، ولا تجعل للحيوانية مدخلا اليها، ليكون سلوكها رفيعا لا ابتذال فيه ولا اختيال، وبما لا يوقعها في الحرج اذا اعتبر بدنها كله عورة مع حاجتها الي تلقي العلوم علي اختلافها، والي الخروج لمباشرة ما يلزمها من الاعمال التي تختلط فيها بالآخرين، وليس متصورا بالتالي ان تموج الحياة بكل مظاهرها من حولها، وأن يطلب منها علي وجه الاقتضاء، ان تكون شبحا مكسوا بالسواد أو بغيره، بل يتعين ان يكون لباسها شرعا قرين تقواها، وبما لا يعطل حركتها في الحياة، فلا يكون محدداً لجمال صورتها، ولا حائلا دون يقظتها، ومباشرتها لصور النشاط التي تفرضها حاجتها ويقتضيها خير مجتمها، بل موازنا بين الأمرين، ومحددا علي ضوء الضرورة وبمراعاة ما يعتبر عادة وعرفا صحيحين.
ولا يجوز بالتالي أن يكون لباسها، مجاوزا حد الاعتدال، ولا احتجاجا لكل بدنها ليضيق عليها اعتسافا، ولا إسدالا لخمارها من وراء ظهرها بل اتصالا بصدرها ونحرها فلا ينكشفان، مصداقا لقوله تعالي: وليضربن بخمرهن علي جيوبهن واقترانا بقوله جل شأنه بأن يدنين عليهن من جلابيبهن فلا يبدو من ظاهر زينتها الا ما لا يعد عورة، وهما وجهها وكفاها، بل وقدماها عند بعض الفقهاء ابتلاء بابدائهما علي حد قول الحنفية ودون أن يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن.
وقد دعا الله تعالي الناس جميعا أن يأخذوا زينتهم ولا يسرفوا، وهو ما يعني أن التزامها حد الاعتدال، يقتضي ألا تصفها ثيابها ولا تشي بما تحتها من ملامح أنوثتها، فلا يكون تنقبها مطلوبا منها شرعًا طلبا جازما، ولا سترها لزينتها شكلا مجردا من المضمون، بل يتعين أن يكون مظهرها منبئا عن عفافها، ميسرا لاسهامها المشروع فيما يعينها علي شئون حياتها، ويكون نائيا بها عن الابتذال، فلا يقتحمها رجال استمالتهم اليها بمظاهر جسدها، مما يعودها الي الإثم انحرافا، وينال من قدرها ومكانتها.
وحيث إنه متي كان ما تقدم، وكان تحريم أمر أو شأن من الشئون، لا يتعلق بما هو محتمل، بل بما يكون معلوما بنص قطعي، وإلا ظل محمولا علي أصل الحل، وكان لا دليل من النصوص القرآنية، ولا من سنتنا الحميدة علي أن لباس المرأة يتعين شرعا أن يكون احتجاجا كاملا، متخذا نقابا محيطا بها منسدلا عليها لا يظهر منها إلا عينيها ومحجريها، فإن الزامها إخفاء وجهها وكفيها، وقدميها عند البعض، لا يكون تأويلا مقبولاً، ولا معلومًا من الدين بالضرورة، ذلك ان معني العورة المتفق عليها لا يتصل بهذه الاجزاء من بدنها، بل إن كشفها وجهها اعون علي اتصالها بأخلاط من الناس يعرفونها، ويفرضون نوعا من الرقابة علي سلوكها، وهو كذلك اكفل لحيائها وغضها من بصرها واصون لنفسيتها، وادعي لرفع الحرج عنها.
وما ارتآه البعض من أن كل شيء من المرأة عورة حتي ظفرها، مردود بأن مالكا وأبا حنيفة وأحمد بن حنبل في رواية عنه، والمشهور عند الشافعية، لا يرون ذلك والرسول عليه السلام يصرح بأن بلوغ المرأة المحيض، يقتضيها أن يكون ثوبها ساترا لبدنها عدا وجهها وكفيها.
وحيث ان استقراء الاحكام التي جري بها القرار المطعون فيه، يدل علي ان لكل طالبة ان تتخذ خماراً تختاره برغبتها، ولا يكون ساترا لوجهها، علي ان يشهد ولي امرها بأن اتخاذها الخمار غطاء لرأسها، ليس ناجما عن تدخل اخرين في شئونها بل وليد ارادتها الحرة، وهي شهادة يمكن ان يقدمها بعد انتظامها في دراستها.
كذلك دل هذا القرار، علي أن زيها ينبغي ان يكون مناسبا مظهرا وطرازًا - لابمقاييسها الشخصية - ولكن بما يرعي احتشامها، ويكون موافقا لتقاليد واخلاق مجتمعها ولا يجوز ان يكون اسلوبها - في مجال ارتدائها لزيها - دالا علي فحشها.
ولايناقض القرار المطعون فيه - في كل ما تقدم - نص المادة الثانية من الدستور، ذلك أن لولي الأمر - في المسائل الخلافية - حق الاجتهاد بما ييسر علي الناس شئونهم، ويعكس ما يكون صحيحاً من عاداتهم واعرافهم، وبما لا يعطل المقاصد الكلية لشريعتهم التي لا ينافيها أن ينظم ولي الأمر - في دائرة بذاتها - لباس الفتاة، فلا يكون كاشفاً عن عورتها أو ساقيها، ولا واشياً ببدنها، أو منبثاً عما لا يجوز اظهاره من ملامحها، او نافياً لحيائها، وهو ما توخاه هذا القرار، حين ألزم كل تلميذة تلتحق بإحدي المراحل التعليمية التي نص عليها، بأن يكون زيها مناسباً حائلاً دون تبذلها، ناهياً عن عريها أو اظهار مفاتنها، بل ان اسلوبها في ارتداء زيها يتعين فوق هذا، ان يكون ملائما لقيمها الدينية التي تندمج بالضرورة في اخلاق مجتمعها وتقاليده.
كذلك فان خمارها وفقاً لهذا القرار، ليس الا غطاء لرأسها لا يحجب وجهها وكفيها، وان كان مترامياً الي صدرها ونحرها، فلا يكفي أن تلقيه من وراء ظهرها. وحيث ان النعي علي القرار المطعون فيه، مخالفته لحرية العقيدة التي نص عليها الدستور في المادة 46 مردود بأن هذه الحرية - في أصلها - تعني ألا يحمل الشخص علي القبول بعقيدة لا يؤمن بها، أو التنصل من عقيدة دخل فيها أو الاعلان عنها، أو ممالأة احداها تحاملا علي غيرها سواء بإنكارها أو التهوين منها أو ازدرائها، بل تتسامح الاديان فيما بينها ويكون احترامها متبادلاً.
ولا يجوز كذلك في المفهوم الحق لحرية العقيدة، أن يكون صونها لمن يمارسونها اضرارا بغيرها، كذلك فإن حرية العقيدة لا يجوز فصلها عن حرية ممارسة شعائرها، وهو ما حمل الدستور علي أن يضم هاتين الحريتين في جملة واحدة جرت بها مادته السادسة والاربعون بما نصت عليه من ان حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية، مكفولتان. وهو ما يعني تكاملهما، ومن ثم ساغ القول بأن أولاهما لا قيد عليها، وأن ثانيتهما يجوز تقييدها من خلال تنظيمها، توكيدا لبعض المصالح العليا التي ترتبط بها، وبوجه خاص ما يتصل منها بصون النظام العام والقيم الادبية، وحماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
وحيث انه متي كان ذلك، وكان القرار المطعون فيه لاينال من حرية العقيدة، ولا يقوض أسسها أو يعطل شعائر ممارستها ولا ولايناقض جوهر الدين في الأصول الكلية التي يقوم عليها، بل يعتبر اجتهادا مقبولا شرعا لا يتوخي غير تنظيم رداء للفتاة - في دائرة المعاهد التعليمية عبر المراحل الدراسية التي حددها - بما لا ينتقص من حيائها أو يمس عفافها، أو يشي بعوراتها، فإن هذا القرار يدخل في دائرة تنظيم المباح، ولا يعد افتئاتاً علي حرية العقيدة.
وحيث إن ما ينعاه المدعي من خلال القرار المطعون فيه بالحرية الشخصية بمقولة ان قوامها الاستقلال الذاتي لكل فرد، يكون الصالح العام ماثلاً فيها، وهو ما يعني أن الحرية الشخصية لا ينافيها أن يفرض المشرع قيودا علي الازياء التي يرتديها بعض الاشخاص، فلا تكون دائرتهم هذه نهباً لآخرين يقتحمونها غيلة وعدوانا، ليلتبس الامر في شأن من ينتمون اليها حقا وصدقا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.