"المستكشفون الأوربيون يستمتعون بالجزيرة العربية لأنهم يحبون العرب لا لعاطفتهم ولكنهم وجدوا أن فيهم الكثير مما يجذب، وأن العرب طوّروا فلسفة وطريقة حياة تتناغم هارمونيا مع بيئتهم، وجعلت من صحتهم الجسمانية والنفسية في اطمئنان دائم". مؤلف هذا الكتاب - الذي ينقصه الصور والخرائط - هو "برترام توماس" )1892-1950 (أول رجل إنجليزي يشغل منصب رئيس الوزراء في حكومة عربية هي سلطنة عمان، واستغل وظيفته للقيام برحلات استكشافية في منطقة الجزيرة العربية، وأول أوربي يجتاز صحراء الربع الخالي راكبا خيله. "مخاطر ورحلات في الجزيرة العربية" كتاب مذكرات يحكي عن رؤية الرحالة البريطاني لطبيعة القبائل العربية، والمخاطر التي واجهته أثناء الحرب العالمية الأولي هناك في بلاد ما بين النهرين "منطقة الأهوار- العراق" بداية عام 1918، حيث طاف برترام توماس في رحلتين من ظفار إلي رمال الربع الخالي باتجاه الشمال، وفي عام 1931 غادر مسقط إلي لبنان ليصبح أول مدير لمدرسة عربية. يوضح في مذكراته التي ترجمها عبد الهادي الساعدي وصدرت عن مكتبة مصر كيف أن التسلح صفة دائمة للقبائل العربية، بسبب الشرف أو كما يقول المؤلف "لكل قبيلة عدوها الوراثي"، ويصفه بالتسلح الشاذ غير الاعتيادي، وأنه نابع من رخاء شاذ أيضا وغير اعتيادي، ثم يعرض لتلك النظرة التي يؤججها شيوخ تلك القبائل للمستشرقين باعتبارهم مخلوقات غامضة متطفلة. في الكتاب يدوّن المؤلف ملاحظاته ومشاهداته عن ملامح ونفسية القبائل العربية في العراق وشيوخها ورواة القصص العربي، وصانعي القهوة المميزين، ورعاة الغنم، وبدر الذي تزوج خمسة وستين امرأة بعدد سنين عمره، وزواج المتعة، كل تلك الحكايات يسردها توماس بصيغة الحوار، إلي جانب وصف دقيق للبيئة هناك، ورغم أن معظم إن لم يكن جميع ما ورد في هذا الكتاب نجهله ويعد غريبا علي القارئ المصري إلا أنه مرجع مهم وقراءته تحقق فائدة المتعة والتسلية، يقول المؤلف برترام توماس مثلا: "إنه من الفظاظة في الشرق أن تدخل في موضوعك مباشرة، بينما أنا في داخلي أتحسر علي تبديد اللحظات الثمينة". فضلا عما يسرده من مفارقات اتخاذ كل قبيلة لقوانين وأنظمة خاصة بها غير مكتوبة ومتصلة بالتراث الشعبي السحيق، من ذلك ما قصه عن تبرئة شاب عمره 17 عاما من تهمة قتل أمه لحماية شرف القبيلة. في جزء من الكتاب يتطرق المؤلف إلي بعض المواقع الأثرية لما يسمي "مدن السلالات" ويقال إن لها علاقة ببابل، وحكايات طريفة أخري عن الجياد العربية الصغيرة غريبة المظهر التي تمشي ثلاثين ميلا دون أن تدير ظهرها. وأخيرا وهو المهم، ما سجله المؤلف عن سياسات الحرب العربية، التي أدخلته حسبما يقول في متاهات محيرة، ويؤكد أنه بفضل الروح الوطنية للثورة المصرية تشجع العراقيون علي الثورة ضد البريطانيين، ثم يتحدث عن أجواء معاهدة سايكس بيكو ووعد بلفور ورأيه فيهما، فيقول عن سايكس بيكو 1916: "لقد كانت نتائج هذه المعاهدة غير موفقة وغير محظوظة، وبدت بكل الديمقراطية والمثل العليا التي امتثلتها غير ذات جدوي وغير ذات فائدة لمجتمع قبلي". بنبرة استعلاء يتساءل برترام توماس: كيف تعطي الاستقلال الناجز والنهائي لشعب لا يعي معني السياسة-؟ فهو يري أن الشعوب العربية كانت تعيش حالة البدائية والبساطة، مجتمع قبلي لا يجد ذكرا لكلمة حكومة، ويتساءل كذلك: "كيف تقيم حكومات وإدارات وطنية تقود العرب إلي التخلص من التخلف وغالبية رجالهم جهلاء؟"، ورغم أنه كان يقصد بتلك الإحالات منطقة بعينها هي جنوب بغداد، بالتمثيل علي صراع قبائل وعشائر السنة والشيعة هناك، إلا أن التعميم كان السمة الغالبة علي أسلوب الكتاب. يكشف المؤلف عن استعانة البريطانيين بما يسمون "الشبانة" وهم عسكريين محليين تطوعوا للخدمة في دوائر السلطات التركية للقيام بأعمال الحراسة والخدمة والتجسس، استعانت بهم بريطانيا لغرض ظاهر هو تطوير الرجل البدائي إلي رجل ميليشيا ثم مجند، وفي الحقيقة كانت بريطانيا تستخدمهم كحائط صد أو كبش فداء.