كتبت قبل شهر رمضان مستغرباً ومستنكراً ظهور مسلسل بعنوان "كلام نسوان" علي اعتبار أن كلمة نسوان رغم أنها في مجتمعات عربية أخري كلمة دارجة وطبيعية إلا أنها لدينا في مصر تعد كلمة "ركيكة" لا تقال إلا في أوساط بعينها وأن إشاعة الركاكة والسوقية بين الناس ليس من الأمور التي يمكن أن يتورط فيها التليفزيون أو الفضائيات. لم أشاهد حلقة واحدة من المسلسل وسهم الله نفذ والمسلسل يعرض طالما أنه يأتي بإعلانات تعوض كلفته وتحقق أرباحاً، و"اللي مش عاجبه" يحول التليفزيون، ولأن العبد لله ليس كائنا تليفزيونياً وخصوصاً في الشهر الفضيل حيث لا وقت لمسلسلات أو برامج فإن "الفرجة" تكون عادة بالصدفة وليست في أوقات محددة، وغالباً ما تكون عابرة. لحسن الحظ أو لسوئه، لعبت المصادفة دوراً في أن تسمع أذني شتيمة ترتبط بالكلب في أكثر من مسلسل، مرة تقال علي لسان البطلة: "ابن الكلب" وفي أخري علي لسان البطل لشتم حبيبته: "بنت الكلب" هكذا جهاراً نهاراً وليلاً وسلم لي علي مسلسلات الشهر الفضيل. وفي مشاهد أخري تكون الشتيمة موجهة من شخص أو مجموعة الي مجموعة أخري وطبيعي أن يكونوا في هذه الحالة: "ولاد الكلب". ما هذا السفه وتلك الفجاجة وقلة الذوق؟ لماذا هذا الانحطاط بأخلاق الناس؟ ما هي الفوائد الدرامية المعملية الفذة التي ستعود الي أصحاب المسلسل من وراء تسويق الشتائم وطولة اللسان وقلة الأدب؟ بالطبع فإن القائمين علي تلك المسلسلات أو المسئولين عن عرضها علينا لديهم حجتهم الجاهزة: "مش عجبك حول التليفزيون" هذا إذا كانوا يتمتعون بال"بجاحة"، أما إذا كان لديهم قليل من الذوق فإنهم سيكتفون بالإشارة إلي أن كل الناس تعرف هذه الشتيمة وربما يتداولها أبسط المواطنين وأعظمهم وأنها صارت من مفردات الحديث اليومي بين البشر ليس في مصر فقط وإنما في خارجها وأن عدم النطق بها عندما يصل بطل المسلسل أو بطلته إلي ذروة الحدث سيعد إخلالاً بالبناء الدرامي للمسلسل مما يهدد المصداقية التي يحرص عليها أهل الفن والمسلسلات. لكنني لم استطع أن أقنع نفسي بأن الأمر هين، وأن لا جرائم ستنتج عنه، وأن المجتمع الذي كان آمناً في زمن ماض وتحول إلي مجتمع شرس يسود فيه القبح وتتواري فيه أسباب الجمال سيتحول بفعل شتائم من نوعية ابن أولاد "الكلب" إلي مجتمع لسانه طويل قليل الأدب والذوق، وأنه مهما كانت المبررات الدرامية المعملية الفذة فإنها لا يمكن أن تجعلني أثق في صدق نوايا أصحاب الشتائم في المسلسلات. أذكر أن أول مرة ظهرت شتيمة "ابن الكلب" في عمل فني كانت في فيلم "الخيط الرفيع" وكان لدي بطلته فاتن حمامة مبررات للحقد علي البطل الذي غدر بها بعدما ضحت من أجله، ولكن الفارق أن سيدة الشاشة العربية لم تنطق بالكلمة في وجه الجمهور وإنما قرأها المشاهدون في صالات السينما علي شفتيها كرد فعل منها علي أفعال البطل. والمرة الثانية فنطق بالشتيمة الفنان الراحل رشدي أباظة في فيلم "أريد حلا" موجهاً الشتيمة: "بنت الكلب" إلي البطلة في غيابها بعدما وجهت له وهو الدبلوماسي ورجل المجتمع المشهور إنذاراً علي يد محضر بطلب الطلاق، ولأن الحدث كان مبرراً فإنه بقي مجرد استثناء، الي أن وصلنا إلي زمن غالبية الأفلام لا يمكن أن تعرض الا وفيها الشتيمة: "ولاد الكلب" أو: "ابن أو بنت الكلب" لكن بقي التليفزيون لسنوات طويلة محصناً من اللغة السوقية سواء في عناوين المسلسلات أو لغة الحوار بين الممثلين أو حتي في ملابس الممثلات وحتي منهن من تؤدي دور ساقطة أو راقصة. بقي التليفزيون بعيداً عن الابتزال والسوقية ولكن يبدو أننا تخطينا هذه المرحلة واقترب التليفزيون من صناعة السينما وصار لا فارق بين الفن السينمائي أو التليفزيوني وبين الجلوس في الكباريهات، طالما أن الناس تعرف شتيمة قذرة فماذا لا تقال، إنها الواقعية الجديدة والانتهازية المذهلة وقلة الأدب في أزهي صورها.. وعلي ذلك فإن كل الشتائم التي نعرفها جميعاً ولا ننطق بها سوف تكون علي مسامعكم مهما كانت درجة السفالة في هذه الكلمة أو تلك ومهما وصل الانحطاط بشتيمة فإن الطريق الذي نسير فيه سيوصلنا الي أن تسود بيننا لغة الشتائم.. موعدنا في الشهر الكريم العام المقبل لنتابع مسلسلات أكثر وشتائم أكثر. [email protected]